١٤١٩- (٦) وعن عمار، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته، مئنة من فقهه،
ــ
والوعظ في بلاد العجم لا يفيد، ولا يحصل أثره إلا إذا كان بلغتهم. وحديث جابر هذا هو أول دليل على هذا. (فكانت صلاته قصداً) أي متوسطة بين الإفراط والتفريط من التقصير والتطويل بفتح القاف وسكون الصاد، وآخره دال، وهو الوسط بين الطرفين، وهو المعتدل الذي لا يميل إلى أحد طرفي التفريط والإفراط. (وخطبته قصداً) قال الطيبي: أصل القصد الاستقامة في الطريق، استعير للتوسط في الأمور والتباعد عن الإفراط، ثم للتوسط بين الطرفين كالوسط، أي كانت صلاته - صلى الله عليه وسلم - متوسطة، لم تكن غاية الطول، ولا في غاية القصر، وكذلك الخطبة. وذلك لا يقتضى مساواة الخطبة للصلاة، إذ توسط كل يعتبر في بابه، فلا يخالف حديث عمار الآتي. (رواه مسلم) هما حديثان عند مسلم رواهما عن جابر بن سمرة، تم الأول على قوله "ويذكر الناس" وأخرجه أيضاً أبوداود والنسائي وابن ماجه والبيهقي (ج٣ص٢١٠) ولفظ الثاني: قال جابر: كنت أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت صلاته قصداً وخطبته قصداً. ونسب المجد هذا في المنتقى للجماعة إلا البخاري وأبا داود. قلت: وأخرجه البيهقي (ج٣ص٢٠٧) أيضاً.
١٤١٩- قوله:(إن طول صلاة الرجل) أي إطالتها. (وقصر خطبته) بكسر القاف وفتح الصاد أي تقصيرها. (مئنة) بفتح الميم ثم همزة مكسورة ثم نون مشددة. (من فقهه) أي علامة يتحقق بها فقهه، مفعلة بنيت من، إن المكسورة المشددة وحقيقتها مظنة ومكان لقول القائل: إنه فقيه؛ لأن الصلاة مقصودة بالذات، والخطبة توطئة لها، فتصرف العناية إلى الأهم، كذا قيل، أو لأن حال الخطبة توجهه إلى الخلق وحال الصلاة مقصده الخالق. فمن فقاهة قلبه إطالة معراج ربه، أو لأن الصلاة هي الأصل، والخطبة هي الفرع، ومن القضايا الفقهية أن يؤثر الأصل على الفرع بزيادة. وقال الطيبي: قوله "من فقهه" صفة "مئنة" أي مئنة ناشئة من فقهه، في النهاية: أي ذلك مما يعرف به فقه الرجل، فكل شيء دل على شيء فهو مئنة له. وحقيقتها أنها مفعلة من معنى أن التي للتحقيق غير مشتقة من لفظها؛ لأن الحروف لا يشتق منها، وإنما ضمن حروفها دلالة على أن معناها فيها. قال النووي: قال الأزهري والأكثرون: الميم فيها زائدة، وهي مفعلة، قال الأزهري: غلط أبوعبيد في جعله الميم أصلية. وقال القاضي عياض: قال شيخنا ابن سراج: هي أصلية-انتهى. قال الشوكاني: وإنما كان اقتصار الخطبة علامة من فقه الرجل؛ لأن الفقيه هو المطلع على جوامع الألفاظ، فيتمكن بذلك من التعبير باللفظ المختصر عن