للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وتصدقوا، ثم قال: يا أمة محمد! والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته،

ــ

إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد من الناس ولكنهما آيتان من آيات الله، فإذا رأيتموها (أي الآية) فقوموا فصلوا، قال الحافظ: استدل به على أنه لا وقت لصلاة الكسوف معين؛ لأن الصلاة علقت برؤية الكسوف، وهي ممكنة في كل وقت من النهار، وبهذا قال الشافعي ومن تبعه، واستثنى الحنفية أوقات الكراهة، وهو مشهور مذهب أحمد، وعن المالكية وقتها من حل النافلة إلى الزوال، وفي رواية إلى صلاة العصر. ورجح الأول بأن المقصود إيقاع هذه العبادة قبل الانجلاء، وقد اتفقوا على أنها لا تقضى بعد الانجلاء، فلو انحصرت في وقت لأمكن الانجلاء قبله فيفوت المقصود، ولم أقف في شيء من الطرق مع كثرتها على أنه - صلى الله عليه وسلم - صلاها الأضحى لكن ذلك وقع اتفاقاً، ولا يدل على منع ما عداه، واتفقت الطرق على أنه بادر إليها – انتهى. (وتصدقوا) لأن الصدقة تطفئ غضب الرب، وفي الحديث المبادرة بالصلاة وسائر ما ذكر من الدعاء والتكبير والصدقة عند الكسوف، قال الشاه ولي الله الدهلوي في حجة الله: الأصل فيها إن الآيات إذا ظهرت انقادت لها النفوس والتجأت إلى الله تعالى وانفكت عن الدنيا نوع انفكاك، فتلك الحالة غنيمة للمؤمن ينبغي أن يبتهل في الدعاء والصلاة وسائر أعمال البر، وأيضاً فإنها وقت قضاء الله الحوادث في عالم المثال، ولذلك يستشعر فيها العارفون الفزع وفزع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندها لأجل ذلك، وهي أوقات سريان الروحانية في الأرض، فالمناسب للمحسن أن يتقرب إلى الله في تلك الأوقات، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث النعمان: ((فإذا تجلى الله لشيء من خلقه خشع له)) ، وأيضاً فالكفار يسجدون للشمس والقمر فكان من حق المؤمن إذا رأى آية عدم استحقاقهما العبادة أن يتضرع إلى الله ويسجد له، وهو قوله تعالى: {لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن} [فصلت: ٣٧] ليكون شعاراً للدين وجواباً مسكتاً لمنكريه – انتهى. (يا أمة محمد) فيه ذكر الباعث لهم على الامتثال وهو نسبتهم إليه - صلى الله عليه وسلم -، قاله القاري، وقيل: خاطبهم بذلك إظهاراً لمعنى الشفقة، كما يقول أحد: يا بني، وعدل عن يا أمتي لأن المقام مقام تخويف وتحذير، وفي قوله: ((أمتي)) إشعار بالتكريم (والله) أتى باليمين لإرادة التأكيد لخبره، وإن كان لا يرتاب في صدقه (ما من أحد أغير) أي أشد غيرة (من الله أن يزني عبده أو تزني أمته) أي على زنا عبده أو أمته، قال القسطلاني: برفع أغير صفة لأحد باعتبار المحل، والخبر محذوف منصوب أي موجوداً على أن ما حجازية – وهي تعمل عمل ليس -، أو يكون أحد مبتدأ وأغير خبره على أن ما تميمية، ويجوز نصب أغير على أنه خبر ما الحجازية، و"من" زائدة للتأكيد وأن يكون مجروراً بالفتحة على الصفحة للمجرور باعتبار اللفظ والخبر المحذوف مرفوع على أن ما تميمية، وقوله ((أن يزني)) متعلق بأغير

<<  <  ج: ص:  >  >>