يا أمة محمد! والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً)) .
ــ
وحذف الجار من أن قياس مستمر. قال الحافظ: أغير أفعل تفضيل من الغيرة بفتح الغين المعجمة، وهي في اللغة تغير يحصل من الحمية والأنفة، وأصلها في الزوجين والأهلين وكل ذلك محال على الله تعالى؛ لأنه منزه عن كل تغير ونقص فيتعين حمله على المجاز، فقيل: لما كانت ثمرة الغيرة صون الحريم ومنعم وزجر من يقصد إليهم أطلق عليه ذلك لكونه منع من فعل ذلك وزجر فاعله وتوعده فهو من باب تسمية الشيء بما يترتب عليه. وقال ابن فورك: المعنى ما أحد أكثر زجراً عن الفواحش من الله تعالى. وقال غيره: غيرة الله ما يغير من حال العاصي بانتقامه منه في الدنيا والآخرة أو في أحدهما، ومنه قوله تعالى:{إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}[الرعد: ١١] ، وقال ابن دقيق العيد: أهل التنزيه في مثل هذا على قولين إما ساكت وإما مؤول، على أن المراد بالغيرة شدة المنع والحماية، فهو من مجاز الملازمة، وقال الطيبي: وجه اتصال هذا المعنى بما قبله من قوله: ((فادعوا الله وكبروا ... )) الخ، من جهة أنهم لما أمروا باستدفاع البلاء بالدعاء والذكر والتكبير والصلاة والتصدق ناسب ردعهم عن المعاصي التي هي من أسباب جلب البلاء وخص منها الزنا؛ لأنه أعظمها في ذلك. وقيل: لما كانت هذه المعصية من أقبح المعاصي وأشدها تأثيراً في إثارة النفوس وغلبة الغضب ناسب ذلك تخويفهم في هذا المقام من مؤاخذة رب الغيرة وخالقها سبحانه وتعالى. ولعل تخصيص العبد والأمة بالذكر رعاية لحسن الأدب مع الله تعالى لتنزيهه عن الزوجة والأهل ممن يتعلق بهم الغيرة غالباً – انتهى كلام الحافظ، وقيل: الغيرة من صفات الكمال، فتثبت لله تعالى كما هو مدلول اللغة، ولا دليل على صرفه عن ظاهر معناه، وما ذكروه من حقيقته فهو بالنسبة إلينا، والله جل وعلا منزه عن مماثلة المخلوقات، فكما إن ذاته ليست كذواتنا فصفاته ليست كصفاتنا ولله المثل الأعلى. (لو تعلمون ما أعلم) قال الباجي: يريد أنه – عليه الصلاة والسلام – خصه الله تعالى بعلم لا يعلمه غيره، ولعله ما أراه في مقامه من النار وشناعة منظرها. وقال النووي: لو تعلمون من عظم انتقام الله تعالى من أهل الجرائم وشدة عقابه وأهوال القيامة وما بعدها ما علمت، وترون النار كما رأيت في مقامي هذا وفي غيره لبكيتم كثيراً ولقل ضحككم لفكركم فيما علمتموه – انتهى. ولا يخفى أنهم علموا بواسطة خبره إجمالاً، فالمراد التفصيل كعلمه - صلى الله عليه وسلم -، فالمعنى لو تعلمون ما أعلم كما أعلم، وقيل: المعنى لو دام علمكم كما دام علمي، فإن علمه - صلى الله عليه وسلم - متواصل بخلاف علم غيره. (لضحكتم قليلاً) أي زماناً قليلاً أو مفعول مطلق، وقيل: القلة ههنا بمعنى العدم كما في قوله: قليل التشكي أي عديمه، والتقدير لتركتم الضحك ولم يقع منكم إلا نادراً لغلبة الخوف واستيلاء الحزن. (ولبكيتم كثيراً) خوفاً من الله تعالى أو لتفكركم فيما علمتموه، وقيل: المعنى لو علمتم من سعة