فأتى المسجد، فصلى بأطول قيام وركوع وسجود، ما رأيته قط يفعله، وقال:
ــ
وتنبيهاً لأمته أنه إذا وقع بعده يخشون أمر ذلك، لاسيما إذا وقع لهم ذلك بعد حصول الأشراط أو أكثر ويفزعون إلى ذكر الله والصلاة والصدقة ليدفع عنهم البلايا. ومنها أن راويه ظن أنه - صلى الله عليه وسلم - خشي أن تكون الساعة، وليس يلزم من ظنه أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - خشي ذلك حقيقة، بل خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - مستعجلاً مهتماً بالصلاة وغيرها من أمر الكسوف مبادراً إلى ذلك، وربما خاف أن يكون نوع عقوبة تحدث كما كان يخاف عند هبوب الريح، فظن الراوي خلاف ذلك ولا اعتبار بظنه. وفيه أن تحسين الظن بالصحابي يقتضي أنه لا يجزم ذلك إلا بتوقيف. ومنها لعله خشي أن يكون ذلك بعض المقدمات يعني خشي أن يكون الكسوف مقدمة لبعض الأشراط كطلوع الشمس من مغربها، ولا يستحيل أن يتخلل بين الخسوف والطلوع المذكور أشياء مما ذكر، وتقع متتالية بعضها أثر بعض مع استحضار قوله تعالى:{وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب}[النحل: ٧٧] ، ومنها أن هذا تخييل من الراوي وتمثيل منه كأنه قال فزع فزعاً كفزع من يخشى أن تكون الساعة، وإلا فالنبي - صلى الله عليه وسلم - كان عالماً بأن الساعة لا تقوم وهو فيهم، وقد وعده الله مواعد لم تتم ولم تقع بعد، وإنما كان فزعه عند ظهور الآيات كالخسوف والزلازل والريح الصواعق شفقاً على أهل الأرض أن يأتيهم عذاب الله كما أتى من قبلهم من الأمم لا عن قيام الساعة (فأتى المسجد) أي مسجد المدينة، قال ابن دقيق العيد: في الحديث دليل على أن سنة صلاة الكسوف في المسجد وهو المشهور عن العلماء، وخير بعض أصحاب مالك بين المسجد والصحراء، والصواب: المشهور الأول، فإن هذه الصلاة تنتهي بالانجلاء، وذلك مقتض لأن يعتني بمعرفته ويراقب حال الشمس، فلولا أن المسجد أرجح لكانت الصحراء أولى؛ لأنها أقرب إلى إدراك حال الشمس في الانجلاء وعدمه، وأيضاً فإنه يخاف من تأخيرها فوات إقامتها بأن يشرع الانجلاء قبل اجتماع الناس وبروزهم – انتهى. (ما رأيته قط يفعله) أي ما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل مثله، كذا في جميع النسخ الموجودة للمشكاة بذكر كلمة ما قبل رأيته، وهكذا نقله الجزري في جامع الأصول (ج٧ ص١١٨) وفي نسخ البخاري من طبعات الهند ومصر الحاضرة عندنا رأيته قط يفعله أي بدون حرف النفي قبل رأيته، لكن قال العيني في كثير من النسخ أي للبخاري وقعت على الأصل وهو ما رأيته قط يفعله – انتهى. ولفظ مسلم والنسائي والبيهقي: ما رأيته يفعله في صلاة قط، قال العيني: كلمة "قط" لا تقع إلا بعد الماضي المنفي، ووجه النسخة التي هي بغير لفظ ما أن يقدر حرف النفي كما في قوله تعالى:{تالله تفتؤ تذكر يوسف}[يوسف ٨٥] ، أي لا تفتؤ ولا تزال تذكره تفجعاً، فحذف لا أو أن لفظ أطول فيه معنى عدم المساواة أي بما لم يساو قط قياماً رأيته يفعله، أو قط بمعنى حسب أي صلى في تلك اليوم فحسب بأطول قيام رأيته يفعله أو تكون بمعنى أبداً لكن إذا كانت بمعنى حسب تكون القاف مفتوحة والطاء ساكنة (وقال) أي في خطبته بعد فراغه من