هذه الآيات التي يرسل الله، لا تكون لموت أحد ولا لحياته، ولكن يخوف الله بها عباده،
ــ
صلاة الكسوف (هذه الآيات) أي كسوف النيرين والزلزلة وهبوب الريح الشديدة (ولكن يخوف الله بها) أي بالآيات (عباده) قال الله تعالى: {وما نرسل بالآيات إلا تخويفاً} قال القسطلاني: فالكسوف من آياته تعالى المخوفة، إما أنه آية من آيات الله فلأن الخلق عاجزون عن ذلك، وإما أنه من الآيات المخوفة فلأن تبديل الطاعا بعد الإيمان الصلاة. وفيه رد على أهل الهيئة حيث قالوا: إن الكسوف أمر عادي لا تأخير فيه ولا تقديم؛ لأنه لو كان كما زعموا لم يكن فيه تخويف ولا فزع، ولم يكن للأمر بالصلاة والصدقة معنى. ولئن سلمنا ذلك فالتخويف باعتبار أنه يذكر القيامة لكونه أنموذجاً قال الله تعالى:{فإذا برق البصر. وخسف القمر} الآية [القيامة: ٧] ، ومن ثم قام – عليه السلام – فزعاً فخشي أن تكون الساعة، وكان – عليه السلام – إذا اشتد هبوب الرياح تغير ودخل وخرج خشية أن تكون الريح كريح عاد، وإن كان هبوب الرياح أمراً عادياً، وقد كان أرباب الخشية والمراقبة يفزعون من أقل من ذلك، إذ كل ما في العالم علويه وسفليه دليل على نفوذ قدرة الله تعالى وتمام قهره. وقد وقع في حديث النعمان بن بشير وغيره للكسوف سبب آخر غير ما يزعمه أهل الهيئة، وهو ما أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه وصححه ابن خزيمة والحاكم بلفظ:((إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله، وإن الله إذا تجلى لشيء من خلقه خشع له)) ، وقد استشكل الغزالي هذه الزيادة، وقال: إنها غير صحيحة نقلاً، فيجب تكذيب ناقلها، وبنى ذلك على أن قول الفلاسفة في باب الكسوف والخسوف حق لما قام عليه من البراهين القطعية، وهو أن خسوف القمر عبارة عن انمحاء ضوئه بتوسط الأرض بينه وبين الشمس من حيث أنه يقتبس نوره من الشمس والأرض كرة، والسماء محيطة بها من الجوانب، فإذا وقع القمر في ظل الأرض انقطع عنه نور الشمس، وأن كسوف الشمس معناه وقوع جرم القمر بين الناظر والشمس، وذلك عند اجتماعهما في العقدتين على دقيقة واحدة. قال ابن القيم: إسناد هذه الرواية لا مطعن فيه ورواته ثقات حفاظ، ولكن لعل هذه اللفظة مدرجة في الحديث من كلام بعض الرواة، ولهذا لا توجد في سائر أحاديث الكسوف، فقد روى حديث الكسوف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بضعة عشر صحابياً فلم يذكر أحد منهم في حديثه هذه اللفظة، فمن ههنا نشأ احتمال الإدراج، وقال السبكي: قول الفلاسفة صحيح كما قال الغزالي، لكن إنكار الغزالي هذه الزيادة غير جيد، فإنه مروي في النسائي وغيره، وتأويله ظاهر فأي بعد في أن العالم بالجزئيات ومقدر الكائنات سبحانه يقدر في أزل الأزل خسوفهما بتوسط الأرض بين الشمس والقمر، ووقوف جرم القمر بين الناظر والشمس