الناس واستقبال القبلة والدعاء وتحويل الرداء فاحتج به لأبي حنيفة على أنه لا خطبة في الاستسقاء، وإنما يدعو ويتضرع، وهي رواية عن أحمد، وهو الحق والصواب لما وقع من التصريح بالخطبة في حديث عبد الله بن زيد عند أحمد (ج٤ ص٤١) وفي حديث أبي هريرة عند ابن ماجه والبيهقي (ج٣ ص٣٧٤) والطحاوي (ص١٩٢) ، وفي حديث عائشة عند أبي داود والحاكم (ج١ ص٣٢٨) والبيهقي (ج٣ ص٣٤٩) واحتج أيضاً لمن لم يقل بالخطبة بقول ابن عباس: لم يخطب خطبتكم هذه ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير. أخرجه أبوداود والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم (ج١ ص٣٢٧) والبيهقي (ج٣ ص٣٤٧-٣٤٨) والطحاوي (ج١ ص١٩١) ، وأجيب عنه بأن ابن عباس إنما نفى وقوع خطبة منه - صلى الله عليه وسلم - مشابهة لخطبة المخاطبين ولم ينف وقوع مطلق الخطبة منه - صلى الله عليه وسلم -. قال شيخنا: النفي متوجه إلى القيد لا إلى المقيد كما يدل على ذلك الأحاديث المصرحة بالخطبة. وفي رواية أبي داود: فرقى المنبر ولم يخطب خطبتكم هذه، فقوله: فرقى المنبر أيضاً يدل على أن النفي متوجه إلى القيد، قال الزيلعي (ج٢ ص٢٤٢) : مفهوم قول ابن عباس أنه خطب لكنه لم يخطب خطبتين كما يفعل في الجمعة، ولكنه خطب خطبة واحدة، فلذلك نفى النوع ولم ينف الجنس، ولم يرو أنه خطب خطبتين، فلذلك قال أبويوسف: يخطب خطبة واحدة، ومحمد يقول: يخطب خطبتين، ولم أجد له شاهداً – انتهى. وقال ابن قدامة: قول ابن عباس نفي للصفة لا لأصل الخطبة أي لم يخطب كخطبتكم هذه إنما كان جل خطبته الدعاء والتضرع والتكبير – انتهى. قال بعض من كتب على سنن أبي داود من أهل عصرنا: ظاهر قوله: فلم يخطب خطبتكم هذه أن النفي راجع إلى القيد والمقيد جميعاً ولم يخطب - صلى الله عليه وسلم - في هذه المرة قال: وقوله ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير كالصريح في أنه لم يخطب مطلقاً فإن الخطبة كانت مستقبل الناس مستدير الكعبة والدعاء بالعكس، قال: وأما قوله: فرقى المنبر فهو مختلف فيه، ذكره عثمان بن أبي شيبة عند أبي داود ومحمد بن عبيد بن محمد عند النسائي، وعثمان له مع كونه ثقة أوهام، ومحمد بن عبيد قال فيه النسائي ومسلمة: لا بأس به، ولم يذكر هذا اللفظ غيرهما. قلت: وقع عند أحمد والبيهقي من رواية وكيع عن سفيان عن هشام بن إسحاق عن أبيه عن ابن عباس: لم يخطب كخطبتكم هذه، وهذا صريح في أن ابن عباس إنما نفى الخطبة المشابهة لخطبتهم ولم ينف وقوع مطلق الخطبة، ولا يفهم منه غير ذلك، فهو ظاهر في أن النفي راجع إلى القيد فقط، وأما قوله: لكن لم يزل في الدعاء ... الخ فلا ينافي الخطبة؛ لأن معناه أن جل خطبته وأكثرها كان الدعاء والتضرع والتكبير، كما قال ابن قدامة، وأيضاً الدعاء يكون بعد فراغ الموعظة في آخر الخطبة وبعد الدعاء يستقبل الإمام الناس ويتم خطبته، وقوله: فرقى المنبر صريح في وقوع الخطبة في هذه المرة أيضاً؛