للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أين تذهبون بها؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمع الإنسان لصعق)) رواه البخاري.

١٦٦٢- (٣) وعنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا رأيتم الجنازة فقوموا،

ــ

غيره، ويؤيد الأول أن في رواية أبي هريرة عند النسائي: يا ويلتى أين تذهبون بي، فدل على أن ذلك من تصرف الرواة. (أين تذهبون بها) قالته لأنها تعلم أنها لم تقدم خيراً، وأنها تقدم على ما يسوءها فتكره القدوم عليه. (يسمع صوتها) المنكر بذلك الويل (كل شيء) أي حتى الجماد، وقيل أي من الحيوان. (إلا الإنسان) بالنصب على الاستثناء. (ولو سمع الإنسان) أي صوتها بالويل المزعج (لصعق) أي لغشي عليه أو مات من شدة هول ذلك، وهذا في غير الصالح؛ لأن الصالح من شأنه اللطف والرفق في كلامه، فلا يناسب الصعق من سماع كلامه، وقيل: يحتمل حصول الصعق من سماع كلام الصالح أيضاً لكونه غير مألوف. قال السندي: وهذا مبني على أن المراد لو سمعه أحياناً وإلا فلو سمعه على الدوام لما بقي غير مألوف، والله أعلم-انتهى. وفيه بيان حكمة عدم سماع الإنسان من أنه يختل نظام العالم ويكون الإيمان شهودياً لا غيبياً، واستدل البخاري بقوله: فاحتملها الرجال على منع النساء من حمل الجنازة وإن كان الميت امرأة، فقد بوب على هذا الحديث "باب حمل الرجال الجنازة دون النساء"، وقد استشكل ذلك لكونه إخباراً فلا يكون حجة في منع النساء؛ لأنه ليس فيه أن لا يكون الواقع إلا ذلك، وأجيب بأن كلام الشارع مهما أمكن حمله على التشريع لا يحمل على مجرد الإخبار عن الواقع. وقد روى أبويعلى من حديث أنس قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة فرأى نسوة فقال: أتحملنه؟ قلن: لا، أتدفنه؟ قلن: لا، قال: فارجعن مأزورات غير مأجورات. ونقل النووي في شرح المهذب: أنه لا خلاف في هذه المسألة بين العلماء، والسبب فيه أن في الحمل على الأعناق والأمر بالإسراع مظنة الانكشاف غالباً، وهو مباين للمطلوب منهن من التستر، مع ضعف نفوسهن عن مشاهدة الموتى غالباً فكيف بالحمل، مع ما يتوقع من صراخهن عند حمله ووضعه، وأيضاً لا بد أن يشيع الجنازة الرجال، فلو حملها النساء لكان ذلك ذريعة إلى اختلاطهن بالرجال، فيفضي إلى الفتنة، نعم إن لم يوجد غيرهن تعين عليهن. (رواه البخاري) وأخرجه أيضاً النسائي.

١٦٦٢- قوله: (إذا رأيتم الجنازة فقوموا) فيه مشروعية القيام للجنازة إذا مرت بالمكلف القاعد وإن لم يقصد تشييعها، وظاهره عموم جنازة من مؤمن وغيره، ويؤيده قيامه - صلى الله عليه وسلم - لجنازة يهودي مرت به، وقد علل ذلك بأن الموت فزع. وفي رواية: أليست نفساً، وسيأتي الكلام على ذلك. واختلف العلماء في حكم القيام للجنازة لمن مرت به، فذهب جماعة من السلف والخلف، كما قال ابن عبد البر في التمهيد إلى وجوبه. وقال مالك والشافعي وأبوحنيفة وصاحباه: أنه منسوخ. وذهب أحمد ومن وافقه إلى أنه مستحب. قال

<<  <  ج: ص:  >  >>