الشوكاني: ذهب أحمد وإسحاق بن راهويه وابن حبيب وابن الماجشون من المالكية: إلى أن القيام للجنازة لم ينسخ والقعود منه - صلى الله عليه وسلم -، كما في حديث الآتي إنما هو لبيان الجواز فمن جلس فهو في سعة ومن قام فله أجر، وكذا قال ابن حزم: أن قعوده - صلى الله عليه وسلم - بعد أمره بالقيام يدل على أن الأمر للندب، ولا يجوز أن يكون نسخاً. قال النووي: والمختار أنه مستحب، وبه قال المتولي، وصاحب المهذب من الشافعية، وممن ذهب إلى استحباب القيام ابن عمر وأبومسعود وقيس بن سعد وسهل بن حنيف، كما يدل على ذلك الروايات المذكورة في الباب. (أي باب ما جاء في القيام للجنازة إذا مرت من كتاب المنتقى) . وقال أبوحنيفة ومالك والشافعي: أن القيام منسوخ بحديث علي الآتي، قال الشافعي: إما أن يكون القيام منسوخاً أو يكون لعلة، وأيهما كان فقد ثبت أنه تركه بعد فعله، والحجة في الآخر من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انتهى. وقد دل كلام الشوكاني على أن الإمام أحمد ذهب إلى استحباب القيام للجنازة. وقال عياض: ذهب أحمد إلى التوسعة والتخيير، ويؤيده ما حكاه الترمذي عن أحمد أنه قال: إن شاء قام وإن شاء قعد. وقال ابن قدامة: إذا مرت به جنازة لم يستحب له القيام لها لقول علي: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قعد. قال أحمد: إن قام لم أعبه وإن قعد فلا بأس، وذكر ابن أبي موسى والقاضي: أن القيام مستحب؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالقيام. قال ابن قدامة: وقد ذكرنا أن آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك القيام بها، والأخذ بالآخر من أمره أولى-انتهى. وسيأتي بيان ما هو الراجح في ذلك في شرح حديث علي الآتي. (فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع) يحتمل أن المراد حتى توضع على الأرض أو توضع في اللحد، وقد روي عن أبي هريرة باللفظين إلا أنه أشار البخاري إلى ترجيح رواية حتى توضع بالأرض بقوله: باب من تبع جنازة فلا يقعد حتى توضع عن مناكب الرجال. وصرح أبوداود بترجيحها حيث قال بعد رواية حديث أبي سعيد من طريق سهيل بن أبي صالح بلفظ: إذا تبعتم الجنازة فلا تجلسوا حتى توضع، وروى الثوري هذا الحديث عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال فيه: حتى توضع بالأرض، ورواه أبومعاوية عن سهيل قال: حتى توضع في اللحد، وسفيان أحفظ من أبي معاوية-انتهى. وكذا قال الأثرم. قال الحافظ: ورواه جرير عن سهيل أي عن أبي صالح عن أبي سعيد فقال: حتى توضع حسب، وزاد قال سهيل ورأيت أبا صالح لا يجلس حتى توضع عن مناكب الرجال. أخرجه أبونعيم في المستخرج بهذه الزيادة والبيهقي (ج٤ص٢٦) وهو في مسلم بدونها. قال الحافظ: ورجح رواية: حتى توضع بالأرض عند البخاري بفعل أبي صالح لأنه راوي الخبر، وهو أعرف بالمراد منه، ورواية أبي معاوية مرجوحة، كما قال أبوداود-انتهى. قلت: المختار عند القائلين باستحباب قيام التابع قبل الوضع هو أن المراد بالوضع وضعها بالأرض. وفي المحيط للحنفية: الأفضل أن لا يجلسوا حتى يسووا عليه التراب، وحجته رواية أبي معاوية. وفي البدائع والخانية والعناية وغيرها خلافه، حيث صرحوا بأنه لا بأس بالجلوس بعد الوضع بالأرض. والحديث