للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يقرأ في الصلاة على الجنازة. وفيه أنه معارض بعمل غيره من الصحابة. ويمكن أن يكون المراد لا يقرأ أي شيئاً من القرآن إلا فاتحة الكتاب، وأيضاً هو نفي يقدم عليه الإثبات، وأيضاً قول الصحابي لا يكون حجة بالاتفاق إذا نفاه السنة، وبأن صلاة الجنازة مشابهة للطواف في أنها لا ركوع فيها ولا سجود فلا تفتقر للقراءة. وفيه أنه قياس في مقابلة النص، على أنه قد أطلق عليها لفظ الصلاة فيكون لها حكم الصلاة في القراءة وغيرها إلا ما خص، وأيضاً اتفقوا على أنها تفتقر إلى التكبير والقيام والنية والتسليم واستقبال القبلة والطهارة، فشبهها بالصلاة أبين وأقوى منه بالطواف. واستدل الحنفية كما في البدائع وغيره بما روى أحمد عن ابن مسعود قال: لم يوقت لنا في الصلاة على الميت قراءة ولا قول. وفيه أنه إنما قال: لم يوقت أي لم يقدر، ولا يدل هذا على نفي أصل القراءة، وقد روي عنه أنه قرأ على جنازة بفاتحة الكتاب، ثم إنه لا يعارض ما روي من الأحاديث المرفوعة في القراءة؛ لأنه نفي فيقدم عليه الإثبات، وبأنها لما لم تقرأ بعد التكبيرة الثانية دل على أنها لا تقرأ فيما قبلها؛ لأن كل تكبيرة قائمة مقام ركعة، ولما لم يتشهد في آخرها دل على أنه لا قراءة فيهما، ذكره الطحاوي. وفيه أن هذا الاستدلال ليس بشيء؛ لأنه قياس في مقابلة النص فلا يلتفت إليه، وبأنها شرعت للدعاء، ومقدمة الدعاء الحمد والثناء والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - لا القراءة. وفيه ما تقدم آنفاً أنه تعليل في مقابلة النص فهو مردود، على أن فاتحة الكتاب مشتملة على الحمد والثناء، فينبغي أن يكون افتتاح صلاة الجنازة بالفاتحة أولى وأحسن، فلا وجه لإنكارها والمنع عنها. وقوله لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب يتناول بإطلاقه صلاة الجنازة، فيكون لها في القراءة حكم الصلوات الأخر إلا ما خص منها. وأجاب الحنفية عن حديث ابن عباس وما في معناه بأن قراءة الفاتحة في الصلاة على الميت كانت بنية الدعاء والثناء لا بنية القراءة والتلاوة. قال الطحاوي: من قرأها من الصحابة يحتمل أن يكون على وجه الدعاء لا التلاوة. وفيه أن هذا ادعاء محض لا دليل عليه، واحتمال ناشيء من غير دليل، فلا يلتفت إليه. والحق والصواب أن قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة واجبة، كما ذهب إليه الشافعي وأحمد وإسحاق وغيرهم؛ لأنهم أجمعوا على أنها صلاة، وقد ثبت حديث لا صلاة، إلا بفاتحة الكتاب، فهي داخلة تحت العموم، وإخراجها منه يحتاج إلى دليل، ولأنها صلاة يجب فيها القيام فوجبت فيها القراءة كسائر الصلوات، ولأنه ورد الأمر بقراءتها صريحاً، فقد روى ابن ماجه بإسناد فيه ضعف يسير عن أم شريك قالت: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نقرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب، وروى الطبراني في الكبير من حديث أم عفيف قالت: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نقرأ على ميتنا بفاتحة الكتاب. قال الهيثمي: وفيه عبد المنعم أبوسعيد وهو ضعيف-انتهى. والأمر من أدلة الوجوب. وروى الطبراني في

<<  <  ج: ص:  >  >>