ولا يؤذيك. وأخرج سعيد بن منصور عن ابن مسعود: أنه سئل عن الوطء على القبر، قال: كما أكره أذى المؤمن في حياته فإني أكره أذاه بعد موته، كذا في المرقاة. وحديث عمارة هذا عزاه الهيثمي للطبراني في الكبير، وقال: وفيه ابن لهيعة، وفيه كلام، وقد وثق. وذكر أثر ابن مسعود بلفظ: لأن أطأ على جمرة أحب إلى من أن أطأ على قبر مسلم، وعزاه للطبراني أيضاً قال: وفيه عطاء بن سائب وفيه كلام، وقد اختلف العلماء في الجلوس على القبر لغير قضاء الحاجة. فقال الحسن البصري وابن سيرين وسعيد بن جبير ومكحول وأحمد وإسحاق وأبوسليمان داود، وكثير من الشافعية منهم النووي بتحريم الجلوس مطلقاً. قال العيني: ويروى ذلك أي كراهة الجلوس على القبر مطلقاً أيضاً عن عبد الله وأبي بكرة وعقبة بن عامر وأبي هريرة وجابر، وإليه ذهبت الظاهرية. وقال ابن حزم في المحلى لا يحل لأحد أن يجلس على قبر، وهو قول أبي هريرة، وجماعة من السلف، واستدل لذلك بحديث جابر، وما في معناه من الأحاديث المرفوعة والآثار الموقوفة، وهي كثيرة. وذهب أبوحنيفة وصاحباه، وجماعة من الشافعية إلى أن القعود على القبر لغير قضاء الحاجة مكروه فقط، أي يكره تنزيهاً لا تحريماً، وكذا وطؤه والاتكاء إليه. قال في الأزهار: نقلاً عن بعض العلماء: الأولى أن يحمل من هذه الأحاديث ما فيه التغليظ على الجلوس للحدث، فإنه يحرم، وما لا تغليظ فيه على الجلوس المطلق فإنه مكروه، والاتكاء والاستناد كالجلوس المطلق، نقله السيد جمال الدين. وقال مالك والطحاوي: لا يكره الجلوس على القبر، وحمل مالك أحاديث النهي على الجلوس لقضاء الحاجة. قال النووي: هو تأويل ضعيف أو باطل. وقال أحمد: ليس هذا بشيء، ولم يعجبه رأي مالك، واحتج الطحاوي لذلك القول بما روي عن ابن عمر أنه كان يجلس على القبور. وأخرج عن علي نحوه، وعن زيد بن ثابت: إنما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الجلوس على القبر لحدث غائط أو بول، ورجال إسناده ثقات. قال السندي: ويؤيد الحمل على ظاهره ما جاء من النهي عن وطئه. وقال الحافظ: ويؤيد قول الجمهور ما أخرجه أحمد (والنسائي) عن عمرو بن حزم الأنصاري مرفوعاً: لا تقعدوا على القبور. وفي رواية له، أي لأحمد عنه: رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا متكئ على قبر، فقال: لا تؤذ صاحب القبر، إسناده صحيح، وهو دال على أن المراد بالجلوس القعود على حقيقته. ورد ابن حزم التأويل المتقدم بأن لفظ حديث أبي هريرة عند مسلم: لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده، قال: وما عهدنا أحداً يقعد على ثيابه للغائط، فدل على أن المراد القعود على حقيقته. وقال ابن بطال: التأويل المذكور بعيد؛ لأن الحدث على القبر أقبح من أن يكره الجلوس المتعارف-انتهى. والراجح عندي هو قول الجمهور أنه يحرم الجلوس على القبر مطلقاً، والله تعالى أعلم.