فأعلمهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوا لذلك،
ــ
قال شمس الأئمة في كتابه في فصل بيان موجب الأمر في حق الكفار: لا خلاف أنهم مخاطبون بالإيمان، ولا خلاف أنهم مخاطبون بالمشروع من العقوبات، ولا خلاف أن الخطاب بالمعاملات يتناولهم أيضاً، ولا خلاف أن الخطاب بالشرائع يتناولهم في حكم المؤاخذة في الآخرة. فأما في وجوب الأداء في أحكام الدنيا، فمذهب العراقيين من أصحابنا: أن الخطاب يتناولهم أيضاً، والأداء واجب عليهم، ومشائخ ديارنا يقولون أنه لا يخاطبون بأداء ما يحتمل السقوط من العبادات- انتهى. وقال ابن عابدين في رد المختار في بحث الجزية نقلا عن شرح المنار لصاحب البحر إن الكفار مخاطبون بالإيمان وبالعقوبات سوى حد الشرب والمعاملات. وأما العبادات فقال السمرقنديون: إنهم غير مخاطبين أداء واعتقاداً. وقال البخاريون: إنهم غير مخاطبين بهما أداء فقط. وقال العراقيون: إنهم مخاطبون بهما فيعاقبون عليهما، وهو المعتمد- انتهى. قال صاحب فتح الملهم بعد ذكر هذا كله: ويؤيد هذا الأخير قوله تعالى: {وويلٌ المشركين الذي لا يؤتون الزكاة} : [حم السجدة:٦] و {قالوا لم نكن من المصلين} : [المدثر: ٤٣] الآيتين، فتحصل من هذا كله أن الكفار يعاقبون على ترك اعتقاد الصلاة مثلاً وترك أداءها كليهما عند من قال بتعلق الخطاب بهم في الدنيا اعتقاداً وأداءاً، وإن لم يجب عليهم قضاء الصلوات بعد الإسلام عند أحد ويعاقبون على ترك الاعتقاد فقط عند من قال بتعلق الخطاب اعتقاداً لا أداءاً، ولا يعاقبون على ترك واحد منهما عند الشرذمة القائلة بعدم تعلق الخطاب بهم أصلاً إلا بسبب ترك الإيمان بالتوحيد والرسالة، فالنزاع تحققه بحسب تعلق الخطاب في الدنيا وتبينه وظهور آثاره في الآخرة- انتهى. (فأعلمهم) بفتح الهمزة من الإعلام بمعنى الأخبار (أن الله) بفتح الهمزة لأنها في محل نصب، مفعول ثان للإعلام، والضمير مفعول أول (خمس صلوات) قال السندي، هذا يدل على عدم وجوب الوتر، كما عليه الجمهور والصاحبان من علمائنا الحنفية. قلت: وهذا ظاهر، لأن بعث معاذ إلى اليمن كان قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بقليل. والقول بأنه يحتمل أنه ثبت وجوب الوتر بعد ذلك مما لا يلتفت إليه، لأنه احتمال ناشي من غير دليل (فإن هم أطاعوا لذلك) بأن أقروا بوجوب الخمس عليهم أو فعلوها. قال ابن دقيق العيد: طاعتهم في الصلاة يحتمل وجهين: أحدهما أن يكون المراد إقرارهم بوجوبها عليهم وإلتزامهم لها. والثاني أن يكون المراد الطاعة بالفعل وأداء الصلاة. وقد يرجح الأول بأن المذكور في لفظ الحديث هو الإخبار بالفرضية، فتعود الإشارة إليها. ويترجح الثاني بأنهم لو أخبروا بالوجوب فبادروا إلى الإمتثال بالفعل لكفى، ولم يشترط التلفظ بالإقرار بخلاف الشهادتين، فالشرط عدم الإنكار، والإذعان للوجوب - انتهى. قال الحافظ: والذي يظهر أن المراد القدر المشترك بين الأمرين، فمن امتثل بالإقرار أو بالفعل كفاه أو بهما فأولى وقد وقع في رواية الفضل بن العلاء بعد ذكر الصلاة فإذا صلوا، وبعد ذكر الزكاة، فإذا أقروا بذلك فخذ منهم