للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فأعلمهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنياءهم فترد على فقراءهم

ــ

(فأعلمهم) أي فأخبرهم (أن الله قد فرض عليهم صدقة) أي زكاة في أموالهم. قيل: الحكمة في ترتيب الزكاة على الصلاة: أنهم إذا أجابوا إلى الشهادتين ودخلوا بذلك في الإسلام، ولم يطيعوا لوجوب الصلاة بل جحدوها، كان ذلك كفراً وردة عن الإسلام بعد دخولهم فيه، فصار ما لهم فيئاً، فلا يؤمرون بالزكاة، بل يقتلون. وقال الخطابي: أخر ذكر الصدقة عن ذكر الصلاة، لأنها إنما تجب على قوم دون قوم، وإنما لا تكرر تكرر الصلاة. قال الحافظ: هذا حسن. وتمامه أن يقال: بدأ بالأهم فالأهم، وذلك من التلطف في الخطاب، لأنه لو طالبهم بالجميع في أول مرة لم يأمن النفرة (تؤخذ من أغنياءهم) قال الحافظ: استدل به على أن الإمام هو الذي يتولى قبض الزكاة وصرفها إما بنفسه وإما بنائبه، فمن امتنع منها أخذت منه قهراً. وقال ابن دقيق العيد: قد يستدل به على وجوب إعطاء الزكاة للإمام، لأنه وصف الزكاة بكونها مأخوذة من الأغنياء، فكل ما أقتضى خلاف هذه الصفة فالحديث ينفيه- انتهى. وقيل، حديث معاذ في صدقة السوائم وفي العشر ونحوهما. وأما الذهب والورق فإن أدى زكاتهما خفية يجزئه. قال الحافظ: قد أطبق الفقهاء بعد ذلك على أن لأرباب الأموال الباطنة مباشرة الإخراج. وشذ من قال بوجوب الدفع إلى الإمام - انتهى. قلت: يحتاج إلى الفرق بين الأموال الظاهرة والباطنة في ذلك إلى دليل قوى يعتمد عليه. والظاهر عندي أن ولاية أخذ الزكاة إلى الإمام ظاهرة وباطنة، فإن لم يكن إمام فرقها المالك في مصارفها. وقد حقق ذلك الشوكاني في السيل الجرار بما لا مزيد عليه فليرجع إليه (فترد على فقراءهم) خصم بالذكر، وإن كان مستحق الزكاة أصنافا أخر لمقابلة الأغنياء ولاحتمال أن يكون الفقراءهم الأغلب. واستدل به من لا يرى جواز نقل الزكاة عن بلد المال، لأن الضمير في فقراءهم يعود على أهل اليمن فيدل على وجوب صرف الزكاة إلى فقراء من أخذت منهم، وعدم جواز إخراجها إلى غيرهم إلا لضرورة كعدم فقير فيهم. قال الإسماعيلي: ظاهر الحديث أن الصدقة ترد على فقراء من أخذت من أغنياءهم-انتهى. وقد ترجم البخاري لهذا الحديث "باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا " قال ابن المنير: اختار البخاري جواز نقل الزكاة من بلد المال لعموم قوله: فترد في فقراءهم، لأن الضمير يعود للمسلمين، فأي فقير منهم ردت فيه الصدقة، في أي جهة كان، فقد وافق عموم الحديث - انتهى. قال الحافظ: والذي يتبادر إلى الذهن من هذا الحديث عدم النقل، وأن الضمير يعود على المخاطبين، فيختص بذلك فقراءهم. لكن رجح ابن دقيق العيد الأول، وقال: وإنه وإن لم يكن الأظهر إلا أنه يقويه أن أعيان الأشخاص المخاطبين في قواعد الشرع الكلية لا تعتبر في الزكاة، كما لا تعتبر في الصلاة، فلا يختص بهم الحكم وإن اختص بهم خطاب المواجهة -انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>