للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فإن هم أطاعوا لذلك، فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)) .

ــ

وقد اختلف العلماء في هذه المسألة فأجاز النقل الليث وأبوحنيفة وأصحابهما، ونقله ابن المنذر عن الشافعي وأختاره والأصح عند الشافعية والمالكية والجمهور: ترك النقل، فلو خالف ونقل أجزاء عند المالكية على الأصح، ولم يجزئ عند الشافعية على الأصح، إلا إذا فقد يستحقون لها ولا يبعد أنه اختيار البخاري، لأن قوله "حيث كانوا" يشعر بأنه لا ينقلها عن بلد، وفيه ممن هو متصف بصفة الاستحقاق -انتهى كلام الحافظ. وقال شيخنا في شرح الترمذي: والظاهر عندي عدم النقل إلا إذا فقد المستحقون لها أو تكون في النقل مصلحة أنفع وأهم من عدمه، والله تعالى أعلم. قال الحافظ: وفي الحديث إيجاب الزكاة في مال الصبي والمجنون الغنيين لعموم قوله من أغنياءهم، قاله عياض، وفيه بحث، وأن الزكاة لا تدفع إلى الكافر لعود الضمير في فقراءهم إلى المسلمين سواء قلنا بخصوص البلد أو العموم، وأن من ملك نصاباً لا يعطي من الزكاة، وهو مذهب الحنفية من حيث أنه جعل المأخوذ منه غنياً، وقابله بالفقير، ومن ملك النصاب فالزكاة مأخوذة منه، فهو غني، والغنى مانع من إعطاء الزكاة إلا من استثنى في الحديث. قال ابن دقيق العيد: وليس هذا البحث بالشديد القوة (فإن هم أطاعوا لذلك) أي للإنفاق (فإياك وكرائم أموالهم) بنصب كرائم بفعل مضمر لا يجوز إظهاره للقرينة الدالة عليه. قال ابن قتيبة: ولا يجوز حذف واو "وكرائم"-انتهى. وعلل بأنها حرف عطف، فيختل الكلام بالحذف. وكرائم جمع كريمة، وهي خيار المال وأفضله. قال الجزري في النهاية: كرائم أموالهم أي نفائسها التي تتعلق بها نفس مالكها ويختصها لها حيث هي جامعة للكمال الممكن في حقها. وقال في جامع الأصول: هي خيارها ونفائسها وما يكرم على أصحابها ويعز عليهم. والمراد اجتنبها فلا تأخذها في الصدقة، وخذ الوسط لا العالي ولا النازل الردي، ففيه ترك أخذ خيار المال وهي الأكولة والربى وفحل الغم والماخض وحزرات المال. والحكمة فيه: أن الزكاة وجبت مواساة للفقراء من مال الأغنياء. ولا يناسب ذلك الاحجاف بأرباب الأموال، فسامح الشرع بأرباب الأموال بما يضنون به، ونهى المصدقين عن أخذه إلا إن رضوا بذلك كما سيأتي (واتق دعوة المظلوم) أي تجنب الظلم لئلا يدعوا عليك المظلوم. وفيه تنبيه على المنع من جميع أنواع الظلم، وإنما ذكره عقب المنع من أخذ الكرائم للإشارة إلى أن أخذها ظلم. قال السندي: فيه أنه وإن كان قد يغلب حب الدنيا حتى ينسى الآخرة، فلا يترك الظلم لكونه حراماً مضراً في الآخرة فليترك لحب الدنيا خوفا من دعوة المظلوم، وإلا فالظلم يجب تركه، لكونه حراماً، وإن لم يخف دعوة صاحبه (فإنه) أي الشأن (ليس بينها وبين الله) أي بين وصولها إلى محل الاستجابة والقبول (حجاب) أي مانع بل هي معروضة عليه يعني ليس لها ما يصرفها ولو كان المظلوم فيه ما يقتضي أنه لا يستجاب لمثله من كون مطعمه حرام

<<  <  ج: ص:  >  >>