كفاراً وأن القوم كانوا متأولين في منع الصدقة وكانوا يزعمون أن الخطاب في قوله تعالى:{خذ من أموالهم صدقةً تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم}[التوبة: ١٠٣] خطاب خاص في مواجهة النبي - صلى الله عليه وسلم - دون غيره وأنه مقيد بشرائط لا توجد فيمن سواه وذلك أنه ليس لأحد من التطهير والتزكية والصلاة على المتصدق ما للنبي - صلى الله عليه وسلم - ومثل هذه الشبهة إذا وجد كان مما يعذر فيه أمثالهم ويرفع به السيف عنهم فكان ما جرى من أبي بكر عليهم عسفاً وسوء سيرة. قلت:(قائله الخطابي) وهؤلاء قوم لا خلاق لهم في الدين وإنما رأس مالهم البهت والتكذيب والوقيعة في السلف وقد بينا أن الذين نسبوا إلى الردة كانوا أصنافاً منهم من ارتد عن الملة ودعا إلى نبوة مسليمة وغيره، ومنهم من ترك الصلاة والزكاة وأنكر الشرائع كلها. وهؤلاء الذين سماهم الصحابة كفاراً ولذلك رأى أبوبكر سبى ذراريهم وساعده على ذلك أكثر الصحابة، واستولد علي بن أبي طالب جارية من سبى بني حنيفة فولدت له محمد بن علي الذي يدعى ابن الحنفية ثم لم ينقض عصر الصحابة حتى أجمعوا على أن المرتد لا يسبي. فأما مانعوا الزكاة منهم المقيمون على أصل الدين فإنهم أهل بغي ولم يسموا على الانفراد عنهم كفاراً، وإن كانت الردة قد أضيفت إليهم لمشاركتهم المرتدين في منع بعض ما منعوه من حقوق الدين. وذلك أن الردة اسم لغوي وكل من انصرف عن أمر كان مقبلاً إليه فقد ارتد عنه، وقد وجد من هؤلاء القوم الانصراف عن الطاعة ومنع الحق فانقطع عنهم اسم الثناة والمدح بالدين. وعلق بهم الاسم القبيح لمشاركتهم القوم الذين كان ارتدادهم حقاً، وفي أمر هؤلاء المانعين للزكاة عرض الخلاف، ووقعت الشبهة لعمر لا في الصنفين الأولين أي الذين ارتدوا حقيقة. قال الخطابي: وأما قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم}[التوبة: ١٠٣] وما أدعوا من وقوع الخطاب فيه خاصاً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن خطاب كتاب الله تعالى على ثلاثة أوجه: خطاب عام، كقوله:{يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة}[المائدة: ٦] الآية. وكقوله:{يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام}[البقرة: ١٨٣] وخطاب خاص للنبي - صلى الله عليه وسلم - لا يشركه في ذلك غيره وهو ما اُبَيْنَ عن غيره بسمة التخصيص وقطع التشريك كقوله تعالى:{ومن الليل فتهجد به نافلةً لك}[الإسراء: ٧٩] وكقوله: {خالصةً لك من دون المؤمنين}[الأحزاب: ٥٠] وخطاب مواجهة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو وجميع أمته في المراد به سواه كقوله تعالى:{أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل}[الإسراء: ٧٨] وقوله: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم}[النحل: ٩٨] وكقوله: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة}[النساء: ١٠٢] ونحو ذلك من خطاب المواجهة فكله عام للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولأمته غير مختص به - صلى الله عليه وسلم - بل تشركه الأمة في جميع ذلك، ومن هذا النوع قوله تعالى:{خذ من أموالهم صدقة} وإنما الفائدة في مواجهة النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه هو الداعي إلى الله سبحانه والمبين عنه معنى ما أراده فقدم اسمه في