الخطاب ليكون سلوك الأمة في شرائع الدين على حسب ما ينهجه ويبينه لهم، قال: وأما تطهير والتزكية والدعاء من الإمام لصاحب الصدقة فإن الفاعل لها قد ينال ذلك كله بطاعة الله وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فيها وكل ثواب موعود على عمل من الطاعات كان في زمانه حياته - صلى الله عليه وسلم - فإنه باق غير منقطع بوفاته، وقد يستحب للإمام ولعامل الصدقة أن يدعو للمتصدق بالنماء والبركة في ماله ويرجى أن الله يستجيب له ذلك ولا يخيب مسألته فيه. قال الخطابي: ومن أنكر فرض الزكاة في هذا الزمان وامتنع من أدائها إلى الإمام لم يكن حكمه حكم أهل البغي، بل كان كافراً بإجماع المسلمين. لأنه قد شاع اليوم دين الإسلام واستفاض علم وجوب الزكاة حتى عرفه الخاص والعام، واشترك فيه العالم والجاهل فلا يعذر أحد بتأويل يتأوله في إنكارها، وكذلك الأمر في كل في من أنكر شيئاً مما أجمعت عليه الأمة من أمور الدين إذا كان علمه منتشراً كالصلوات الخمس وصيام شهر رمضان والاغتسال من الجنابة وتحريم الخمر، والزنا ونكاح ذوات المحارم ونحوها من الأحكام إلا أن يكون رجل حديث عهد بالإسلام لا يعرف حدوده فإذا أنكر شيئاً منه جهلاً به لم يكفر وكان سبيله سبيل أولئك القوم في تبقية اسم الدين عليه، فإما ما كان الإجماع فيه معلوماً من طريق علم الخاصة كتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها، وإن قاتل العمد لا يرث وإن للجدة السدس، وما أشبه ذلك من الأحكام فإن من أنكرها لا يكفر بل يعذر فيها لعدم استفاضة علمها في العامة وتفرد الخاصة بها. قال الخطابي: وإنما عرض الوهم في تأويل هذا الحديث من رواية أبي هريرة: ووقعت الشبهة فيه لمن تأوله على الوجه الذي حكيناه عنهم لكثرة ما دخله من الحذف والاختصار وذلك؛ لأن القصد لم يكن به سياق الحديث على وجهه، وذكر القصة في كيفية الردة منهم وإنما قصد به حكاية ما جرى بين أبي بكر وعمر وما تنازعاه من الحجاج في استباحة قتالهم ويشبه أن يكون أبوهريرة إنما لم يعن بذكر القصة وسوقها على وجهها كلها اعتماداً على معرفة المخاطبين بها إذ كانوا قد علموا وجه الأمر وكيفية القصة في ذلك فلم يضر ترك إشباع البيان مع حصول العلم عندهم به انتهى كلام الخطابي. وحاصله أن عمر إنما أراد بقوله الآتي تقاتل الناس، الصنف الأخير فقط. أي الذين منعوا الزكاة وتأولوا قوله تعالى:{خذ من أموالهم صدقة}[التوبة: ١٠٣] لأنه لا يتردد في جواز قتال الذين رجعوا إلى عبادة الأوثان، كما أنه لا يتردد في قتال غيرهم من المرتدين وكأنه لم يستحضر من الحديث إلا القدر الذي ذكره وقد حفظ غيرهم (كابن عمر عند الشيخين وأنس عند أبي داود والنسائي) في الصلاة والزكاة معاً، وقد رواه عبد الرحمن بن يعقوب عن أبي هريرة عند مسلم بلفظ: يعم الشريعة حيث قال فيها: ويؤمنوا بي وبما جئت به، فإن مقتضى ذلك أن من جحد شيئاً مما جاء به - صلى الله عليه وسلم - ودعي إليه فامتنع ونصب القتال أنه يجب قتاله وقتله إذا أصر وإنما عرضت الشبهة لما دخله من الاختصار وكان راويه لم يقصد سياق الحديث على وجهه وإنما أراد سياق مناظرة أبي بكر وعمر واعتمد على معرفة السامعين بأصل الحديث.