للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال،

ــ

أوجه: أحدها: قبول توبته مطلقاً وهو الصحيح المنصوص عن الشافعي والدليل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: أفلا شققت عن قلبه. والثاني: وبه قال مالك لا تقبل توبته ويتحتم قتله لكنه إن كان صادقاً في توبته نفعه ذلك عندالله تعالى، وعن أبي حنيفة روايتان كالوجهين. والثالث. إن كان من الدعاة إلى الضلال لم تقبل توبتهم وتقبل توبة عوامهم. والرابع. إن أخذ ليقتل فتاب لم تقبل وإن جاء تائباً ابتداء وظهرت مخايل الصدق عليه قبلت، وحكى هذا القول عن مالك. والخامس: إن تاب مرة قبلت منه وإن تكررت منه التوبة لم تقبل، وقال صاحب التقريب: روى بشر بن الوليد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة في الزنديق الذي يظهر الإسلام، قال استيتب كالمرتد، وقال أبويوسف مثل ذلك زماناً فلما رأى ما يصنع الزنادقة من إظهار الإسلام ثم يعودون قال: إن أتيت بزنديق أمرت بقتله ولم استتب فإن تاب قبل أن أقتله خليته، وروى سليمان بن شعيب عن أبيه عن يوسف عن أبي حنيفة في نوادر له قال قال أبوحنيفة: اقتلوا الزنديق المستتر فإن توبته لا تعرف- انتهى. (والله لأقاتلن من فرق) بتشديد الراء وقد تخفف (بين الصلاة والزكاة) بأن أقر بالصلاة وأنكر الزكاة جاحداً أو مانعاً مع الاعتراف، وإنما أطلق في أول القصة الكفر ليشمل الصنفين فهو في حق من جحد حقيقة وفي حق الآخرين مجاز تغليباً وإنما قاتلهم الصديق ولم يعذرهم بالجهل؛ لأنهم نصبوا القتال فجهز إليهم من دعاهم إلى الرجوع فلما أصروا قاتلهم، قال المازري: ظاهر السياق إن عمر كان موافقاً على قتال من جحد الصلاة فالزمه الصديق بمثله في الزكاة لورودهما في الكتاب والسنة مورداً واحداً، كذا في الفتح. (فإن الزكاة حق المال) قال القسطلاني: احتج عمر في هذه القصة بظاهر ما استحضره مما رواه من قبل أن ينظر إلى قوله إلا بحقه ويتأمل شرائطه، فقال له أبوبكر: إن الزكاة حق المال كما أن الصلاة حق البدن أي فدخلت في قوله إلا بحقه فقد تضمنت القضية عصمة دم ومال معلقة باستيفاء شرائطها والحكم المعلق بشرطين لا يحصل بأحدهما والأخر معدوم فكما لا تتناول العصمة من لم يؤد حق البدن أي الصلاة، كذلك لا تتناول العصمة من لم يؤد حق المال أي الزكاة. وإذا لم تتناولهم العصمة بقوا في عموم قوله: أمرت أن أقاتل الناس فوجب قتالهم حينئذٍ، وهذا من لطيف النظر أن يقلب المعترض على المستدل دليله فيكون أحق به. وكذلك فعل أبوبكر فسلم له عمر ثم قاسه على الممتنع من الصلاة؛ لأنها كانت بالإجماع من رأى الصحابة فرد المختلف فيه إلى المتفق عليه وفيه دلالة على أن العمرين لم يسمعا من الحديث الصلاة والزكاة كما سمعه غيرهما أو لم يستحضراه إذ لو كان ذلك لم يحتج عمر على أبي بكر ولو سمعه أبوبكر لرد به على عمر ولم يحتج إلى الاحتجاج بعموم قوله: إلا بحقه لكن يحتمل أنه سمعه واستظهر بهذا الدليل النظري. وقال الطيبي: كان عمر حمل قوله: بحقه على غير الزكاة فلذلك صح استدلالة بالحديث فأجاب أبوبكر بأنه شامل للزكاة أيضاً أو ظن عمر أن القتال إنما كان لكفرهم لا لمنعهم الزكاة فاستشهد بالحديث فأجابه الصديق بأني ما أقاتلهم لكفرهم بل لمنعهم الزكاة- انتهى. وقال الحافظ: قوله فإن الزكاة حق

<<  <  ج: ص:  >  >>