للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والبيان بخبر الواحد جائز كبيان المجمل والمتشابه قال الأمير اليماني: حديث الأوساق حديث صحيح، ورد لبيان القدر الذي تجب فيه الزكاة كما ورد حديث مائتي الدرهم لبيان ذلك مع ورود في الرقة ربع العشر، ولم يقل أحد أنه يجب في قليل الفضة وكثيرها الزكاة، وذلك؛ لأنه لم يرد حديث في الرقة ربع العشر إلا لبيان أن هذا الجنس تجب فيه الزكاة وأما قدر ما يجب فيه فموكول إلى حديث التبيين له بمائتي درهم فكذا هنا قوله: فيما سقت السماء العشر، أي في هذا الجنس يجب العشر وأما بيان ما يجب فيه فموكول إلى حديث الأوساق وكأنه ما ورد إلا لدفع ما يتوهم من عموم "فيما سقت السماء العشر" كما ورد ذلك في قوله "وليس فيما دون خمسة أواق من الورق صدقة". ثم إذا تعارض العام والخاص كان العمل بالخاص عند جهل التاريخ، كما هنا فإنه أظهر الأقوال في الأصول، وقال الإمام ابن القيم في الأعلام (ج١ ص٢٨٣) : لا تعارض بين الحديثين بوجه من الوجوه فإن قوله"فيما سقت السماء العشر، إنما أريد به التمييز بين ما يجب فيه العشر وبين ما يجب فيه نصفه، فذكر النوعين مفرقاً بينهما في مقدار الواجب، وأما مقدار النصاب فسكت عنه في هذا الحديث وبينه نصاً في الحديث الآخر فكيف يجوز العدول عن النص الصحيح الصريح المحكم الذي لا يحتمل غير ما دل عليه البتة إلى المجمل المتشابه الذي غايته أن يتعلق فيه بعموم لم يقصد، وبيانه بالخاص المحكم المبين كبيان سائر العمومات بما يخصها من النصوص- انتهى. قلت: ذهب جمهور الأصوليين، وعامتهم إلى جواز تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد الصحيح وهو الحق، واحتج لذلك في المحصول بأن العموم وخبر الواحد دليلان متعارضان وخبر الواحد أخص من العموم، فوجب تقديمه على العموم. قال الشوكاني: وأيضاً يدل على جواز التخصيص دلالة بينه واضحة ما وقع من أوامر الله عزوجل بإتباع نبيه - صلى الله عليه وسلم - من غير تقييد، فإذا جاء عنه الدليل كان إتباعه واجباً، وإذا عارضه عموم قرآني كان سلوك طريقة الجمع ببناء العام على الخاص متحتماً، ودلالة العام على إفراده ظنية لا قطيعة فلا وجه لمنع تخصيصه بالإخبار الصحيحة الآحادية- انتهى. ثم قال ابن القيم: ويا الله العجب: كيف يخصون عموم القرآن والسنة بالقياس الذي أحسن أحواله أن يكون مختلفاً في الاحتجاج به وهو محل اشتباه واضطرب إذ ما من قياس إلا وتمكن معارضته بقياس مثله أو دونه أو أقوى منه بخلاف السنة الصحيحة الصريحة؛ فإنها لا يعارضها إلا سنة ناسخة معلومة التأخر والمخالفة، ثم يقال إذا خصصتم عموم قوله "فيما سقت السماء العشر" بالقصب والحشيش، ولا ذكر لهما في النص فهلا خصصتموه بقوله: " لا زكاة في حب ولا ثمر حتى يبلغ خمسة أوسق" وإذا كنتم تخصون العموم بالقياس فهلا خصصتم هذا العام بالقياس الجلي الذي هو من أجلي القياس وأصحه على سائر أنواع المال الذي تجب فيه الزكاة فإن الزكاة الخاصة لم يشرعها الله ورسوله في مال إلا وجعل له نصاباً كالمواشي والذهب والفضة، ويقال أيضاً هلا أوجبتم الزكاة في قليل كل مال وكثيره عملاً بقوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة} [التوبة: ١٠٣] وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من صاحب إبل

<<  <  ج: ص:  >  >>