للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لوجهين: الأول: أنه رواه ابن إسحاق عندهم بصيغة التحديث، ووقع في طريق الطحاوي روايته بعن. والثاني: أنه وقع عند بعض هؤلاء الحفاظ مكان الزيادة المذكورة قوله: أمر في كل جاذ عشرة أوسق بقنو يعلق في المسجد وهذا كما ترى مخالف لزيادة قوله: في كل عشرة أقناء قنو الواقعة في طريق الطحاوي، وهذا كله يورث التردد في قبول تلك الزيادة، كما قال صاحب فتح الملهم، بل يوجب ردها والله تعالى أعلم. ولو تنزلنا فرواية الطحاوي أيضاً محمولة على البر والإحسان والتطوع دون بيان الصدقة المفروضة أي العشر والزكاة، وعلى هذا حمل الحديث الشراح قاطبة من أصحاب الغريب وغيرهم، ونسبة الغلط والخطأ إليهم في فهم معنى الحديث جرأة شنيعة بل كبر ومكابرة، ويؤيد كون الحديث من قبيل المعروف وصدقة التطوع ما روى الحاكم (ج١ ص٤١٧) والطبراني في الأوسط عن ابن عمر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر من كل حائط بقناء للمسجد، قال الحاكم: صحيح. وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. واحتج بعضهم لمذهب الحنفية بأنه لا يعتبر للخارج من الأرض حول فلا يعتبر له نصاب فإنه لما سقط له وقت ينبغي أن يسقط له المقدار، وأجاب عنه ابن قدامة بأنه إنما لم يعتبر الحول له؛ لأنه يكمل نماءه باستحصاده لا ببقاءه واعتبر الحول في غيره؛ لأنه مظنة لكمال النماء في سائر الأموال والنصاب، اعتبر ليبلغ حدا يحتمل المواساة منه فلهذا اعتبر فيه يحققه أن الصدقة إنما تجب على الأغنياء بما قد ذكرنا فيما تقدم، ولا يحصل الغني بدون النصاب كسائر الأموال الزكاتيه- انتهى. قال في حجة الله: إنما قدر من الحب والترخمسة أوسق؛ لأنها تكفي أقل أهل البيت إلى السنة وذلك؛ لأن أقل أهل البيت الزوج والزوجة وثالث خادم أو ولد بينهما وما يضاهى ذلك من البيوت، وغالب قوت الإنسان رطل أو مد من الطعام فإذا أكل كل واحد من هؤلاء ذلك المقدار كفاهم لسنة وبقيت بقية لنوائبهم أو أدامهم- انتهى. إعلم أن الاعتبار في نصاب المعشرات وصدقة الفطر وغيرها إنما هو للكيل لا الوزن، فلا يخرج العشر وزكاة الفطر وغيرها إلا بالصاع والمد إلا إذا لم يتيسر ذلك فحينئذٍ يرجع إلى الوزن، والمراد بالصاع الصاع النبوي وهو صاع أهل الحجاز المحرمين وغيرهما لا الصاع الحجاجي الذي هو صاع أهل العراق وارجع لتحقيق ذلك إلى المحلى (ج٥ ص٢٤٠، ٢٤٦) لابن حزم وكتاب الأموال (ص٥١٤، ٥٢٥) لأبي عبيد والمجموع (ج١ ص١٢٢) و (ج٥ ص٤٥٨) و (ج٦ ص١٢٨، ١٢٩) للنووي فإنهم قد بسطوا الكلام في تحقيق الصاع والمد وبيان مقدارهما من الوزن، وذكر مذاهب العلماء في ذلك، قال ابن قدامة: النصاب معتبر بالكيل فإن الأوساق مكيلة وإنما نقلت إلى الوزن لتضبط وتحفظ وتنقل، والمكيلات تختلف في الوزن فمنها الثقيل كالحنطة والعدس ومنها الخفيف كالشعير والذرة ومنها المتوسط، وقد نص أحمد على أن الصاع خمسة أرطال وثلث من الحنطة، وروى جماعة عنه أنه قال: الصاع وزنته فوجدته خمسة أرطال وثلثي رطل حنطة، وقال حنبل: قال أحمد: أخذت الصاع من أبي النضر وقال أبوالنضر

<<  <  ج: ص:  >  >>