فإن العطف قرينة لإرادة المعنى العرفي منه وهو البر بخصوصه - انتهى. ولا يخفى ما فيه من التكلف والظاهر عندي: هو قول من قال إن الطعام في قوله صاعاً من طعام مجمل، وما ذكره بعده بيان له كما يدل عليه طريق حفص ابن ميسرة وحديث ابن عمر عندي ابن خزيمة، وأن الصحابة ما كانوا يخرجون البر في عهده - صلى الله عليه وسلم - كما يدل عليه رواية النسائي والطحاوي، كنا نخرج في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير أو صاعاً من أقط لا نخرج غيره. وإن أباسعيد ما أخرج البر في صدقة الفطر قط، لا في زمانه - صلى الله عليه وسلم -، ولا فيما بعده، لا صاعاً ولا نصفه، كما يدل عليه رواية مسلم إن معاوية لما جعل نصف الصاع من الحنطة عدل صاع من تمر، أنكر ذلك أبوسعيد. وقال: لا أخرج فيها إلا الذي كنت أخرج في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صاعاً من تمر أو صاعاً من زبيب أو صاعاً من شعير أو صاعاً سن أقط وفي رواية. قال أبوسعيد: فأما أنا فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه أبداً ما عشت وإن أباسعيد لما تحقق عنده إن الصحابة أخرجوا في زمنه - صلى الله عليه وسلم - صاعاً من جميع ما أخرجوا من الشعير والأقط والتمر والزبيب. وغيرها ذهب إلى أن المقدار الواجب من كل شيء صاع، أو لما رأى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شرع لهم صاعا من غير البر، ولم يبين لهم حال البر، فقاس عليه أبوسعيد حال البر، ورأى أن الواجب في البر أيضاً صاع. وقد روى أبوداود عن عياض قال سمعت أباسعيد يقول: لا أخرج أبداً إلا صاعاً (أي من كل شيء) إنا كنا نخرج على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صاع تمر أو شعير أو أقط أو زبيب وأخرج الطحاوي (ج١ ص٣١٩) عن عياض قال: سمعت أباسعيد وهو يسئل عن صدقة الفطر. قال: لا أخرج إلا ما كنت أخرج على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير أو صاعاً من زبيب أو صاعا ًمن أقط فقال، له رجل أو مدين من قمح فقال لا، تلك قيمة معاوية لا أقبلها، ولا أعمل بها. وأخرجه أيضاً الدارقطني (ص٢٢٢) والحاكم (ص٤١١) وابن خزيمة والبيهقي (ج٤ ص١٦٦) وزاد فيه أو صاعاً من حنطة بعد قوله: صاعاً من تمر وقد صرح ابن خزيمة وأبوداود إن ذكر الحنطة فيه غير محفوظ. وأما ما روى الطحاوي بسنده (ص٣١٩) عن أبي سعيد أنه قال: إنما علينا أن نعطي لكل رأس عند كل فطر صاعاً من تمر أو نصف صاع من بر، فلا يوازي الروايات المتقدمة فلا يلتفت إليه، والقول بأن حديث الباب يدل على أنهم كانوا يعطون من البر صاعاً، لكن على سبيل التبرع، يعني إن أباسعيد وغيره من الصحابة إنما كانوا يخرجون النصف الآخر تطوعاً واختياراً وفضلاً تأويل بعيد لا يخفى تكلفه وأما ما يذكر من الأحاديث المرفوعة في الصاع من القمح أو في نصفه فكلها مدخولة. قال البيهقي (ج٤ ص١٧٠) بعد إيراد أحاديث نصف الصاع من القمح. وقد وردت أخبار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صاع من بر، ووردت أخبار في نصف صاع، ولا يصح شيء من ذلك قد بينت علة كل واحد منها الخلافيات وروينا في حديث أبي سعيد وفي حديث أبي سعيد وفي حديث ابن عمر، إن تعديل نصف صاع من بر بصاع من شعير وقع بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -