الصدقة من هذه الأصناف فإنما يأخذها صدقة بالفقر، والمؤلفة قلوبهم والعاملون عليها لا يأخذونها صدقة. وإنما تحصل الصدقة في يد الإمام للفقراء ثم يعطي الإمام المؤلفة لدفع أذيتهم عن الفقراء وسائر المسلمين، ويعطيها العاملين عوضاً من أعمالهم لا على أنها صدقة عليهم. وإنما قلنا ذلك لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: أمرت أن آخذ الصدقة من أغنياءكم وأوردها في فقراءكم، فبين إن الصدقة مصروفة إلى الفقراء فدل ذلك على أن أحداً لا يأخذها صدقة إلا بالفقر، وإن الأصناف المذكورين إنما ذكروا بياناً لأسباب الفقر- انتهى. قلت: اعتبار الفقر في جميع الأصناف غير العامل والمؤلف وجعله مناطاً للاستحقاق ليس بصحيح، فإن الله تعالى قد فرق بين هذه الأصناف بالتسمية وعطف بعضها على بعض، وجعل العامل وما بعده صنفاً غير الفقراء والمساكين، فلا يشترط وجودها معناهما فيما ذكر بعدهما كما لا يشترط معناه فيهما، ولا يجب وجود صفة هذين الصنفين في بقية الأصناف كما لا يلزم وجود صفة تلك الأصناف فيهما. وأما حديث معاذ ففيه بيان صنف واحد فقط، ولذا احتج به من ذهب إلى جواز صرف الزكاة إلى صنف واحد. قال القاري: ظاهر حديث معاذ إن دفع المال إلى صنف واحد جائز كما هو مذهبنا - انتهى. وهكذا استدل به لذلك ابن الجوزي وأبوعبيد والكاساني في البدائع، والقرطبي المالكي في المفهم، وابن قدامة في المغنى، وغيرهم من الشراح. وخص هذا الصنف بالذكر مع كون المقام مقام إرسال البيان لأهل اليمن وتعليمهم لمقابلة الأغنياء، ويحتمل أن يكون ذلك لكون الفقراء هم الأغلب أو لبيان أنهم الأحق والأهم. وكانت آية مصارف الزكاة معلومة معروفة فلم تكن حاجة إلى تعديد جميع مصارفها، وحديث الباب نص في الرد على الحنفية وعلى ابن القاسم، وقد تكلف ابن الهمام وغيره للجواب عنه كما سيأتي مع الرد عليه وقال الشوكاني في السيل الجرار: لا ينافي ما صرحت به الآية من المصارف الثمانية ما ورد من أن الزكاة تؤخذ من الأغنياء وترد في الفقراء، فإن ذلك محمول على أنه لم يوجد في المحل الذي أخذت منه إلا الفقراء. أما إذا وجد غيرهم فله حق فيها كحق الفقراء، فيجمع بين الأدلة بهذا، وأما من اشترط الفقر في جميع الأصناف فلا يحتاج إلى الجمع بهذا ولكن هذا الاشتراط خلاف ظاهر القرآن، وخلاف ما ثبت في السنة كقوله - صلى الله عليه وسلم -: لا تحل الصدقة لغني إلا لغاز في سبيل الله - الحديث. (لغاز في سبيل الله) أي يجوز له أخذ الزكاة والاستعانة بها في غزوه، وإن كان غنياً، وإليه ذهب الأئمة الثلاثة وإسحاق بن راهوية وأبوثور وأبوعبيد وابن المنذر وقال أبوحنيفة لا يحل للغازي إلا أن يكون منقطعاً به أو فقيراً ورُدّ بأن الأول داخل في الآية في ابن السبيل، والثاني في الفقراء وقد فرق الله تعالى بين سهم السبيل وابن السبيل والفقراء بالواو، والقول بأن منقطع الغزاة فقيراً، لا أنه زاد بالانقطاع في عبادة الله فكان مغايراً للفقير المطلق الخالي عن هذا القيد، لا يجدي شيئاً فإنه بقيد الفقر يبطل كون سبيل الله صنفاً مستقلاً، إذ يرجع حينئذ إلى الصنف الأول وهو الفقراء والمساكين. والحديث تفسير لقوله تعالى: {في سبيل