ولا من قياس صحيح أو فاسد، بل هو مخالف للحديث الصحيح الثابت، وهو حديث أبي سعيد. ولم يذهب إلى هذا التعميم أحد من السلف إلا ما حكى القفال في تفسيره عن بعض الفقهاء المجاهيل، والقاضي عياض عن بعض العلماء الغير المعروفين. قال صاحب تفسير المنار: أما عموم مدلول هذا اللفظ فهو يشمل كل أمر مشروع أريد به مرضاة الله تعالى بإعلاء كلمته وإقامة دينه وحسن عبادته ومنفعة عباده ولا يدخل فيه الجهاد بالمال والنفس إذا كان لأجل الرياء والسمعة، وهذا العموم لم يقل له أحد من السلف ولا الخلف، ولا يمكن أن يكون مراداً هنا. لأن الإخلاص الذي يكون به العمل في سبيل الله أمر باطني لا يعلمه إلا الله تعالى، فلا يمكن أن تناط به حقوق مالية دولية. وإذا قيل إن الأصل في كل طاعة من المؤمن أن تكون لوجه الله تعالى: فيراعي هذا في الحقوق عملاً بالظاهر، اقتضى هذا أن يكون كل مصل وصائم ومتصدق. وقال: للقرآن وذاكر لله تعالى ومميط للأذى عن الطريق مستحقاً بعمله هذا للزكاة الشرعية، فيجب أن يعطى منها. ويجوز له أن يأخذ منها وإن كان غنياً، وهذا ممنوع بالإجماع أيضاً وإرادته تنافي حصر المستحقين في الأصناف المنصوصة. لأن هذا الصنف لأحد لجماعاته فضلاً عن أفراده، وإذا وكل أمره إلى السلاطين والأمراء تصرفوا فيه بأهوائهم تصرفاً، تذهب حكمة فرضية الصدقة من أهلها - انتهى. وأما ما يذكر للاحتجاج لذلك من رواية البخاري في دية الأنصارى الذي قتل بخيبر مائة من غبل صدقة، فهو مخالف لما روى البخاري أيضاً في قصته إنه وداه من عنده. وجمع بين الروايتين، بأنه اشتراه من أهل الصدقة بعد أن ملكوها ثم دفعها تبرعاً إلى أهل القتيل، حكاه النووي عن الجمهور، وعلى هذا فلا حجة فيه لمن ذهب إلى التعميم. وإذا تقرر هذا فلا يجوز صرف الزكاة في عمارة المساجد والمعاهد الدينية وبناء الجسور، وإصلاح الطرق والشوارع وتكفين الموتى وقضاء ديونهم وغير ذلك من أنواع البر. لأنه ليس هذا في شيء من المصارف المنصوصة. وهو مذهب أحمد كما يظهر من المغنى (ج٢ ص٦٦٧) ومالك كما في المدونة (ج٢ ص٥٩) وسفيان وأهل العراق وغيرهم من العلماء كما في الأموال لأبي عبيد (ص٦١٠) هذا وقد ألحق بعض العلماء بالغازي من كان قائماً بمصلحة من مصالح المسلمين كالقضاء والإفتاء والتدريس وإن كان غنياً، وأدخله بعضهم في العالمين فأجاز له الأخذ من الزكاة فيما يقوم به مدة القيام بالمصلحة وإن كان غنياً، ولا يخفى ما فيه. وقال صاحب المنار: إن سبيل الله هنا مصالح المسلمين الشرعية التي بها قوام أمر الدين والدولة دون الأفراد والأشخاص، وان الحج ليس منها. وقال: وأولها وأولاها بالتقديم الاستعداد للحرب بشراء السلاح، وأغذية الجند وأدوات التنقل وتجهيز، قال ويدخل في عمومه إنشاء المستشفيات العسكرية والخيرية، وأشراع الطرق وتعبيدها ومد الخطوط الحديدية العسكرية لا التجارية. ومنها بناء البوارج المدرعة والمنطادات والطيارات الحربية