والحصون والخنادق، قال: ويدخل فيه النفقة على المدارس للعلوم الشرعية وغيرها مما تقوم به المصلحة العامة، وفي هذه الحالة يعطى منها معلمو هذه المدارس ماداموا يؤدون وظائفهم المشروعة التي ينقطعون بها عن كسب آخر ولا يعطي عالم غني لأجل علمه وإن كان يفيد الناس به - انتهى. قلت: حديث أبي سعيد ينافي هذا التعميم لكونه كالنص، في أن المراد بسبيل الله المطلق في الآية هم الغزاة والمجاهدون خاصة فيجب الوقوف عنده (أو لعامل عليها) أي على الصدقة قال تعالى {والعاملين عليها}[التوبة:٦٠] أي الذين يوليهم الامام أو نائبه العمل على جمعها من الأغنياء وهم الجباة والسعاة وعلى حفظها وهم الخزنة وكذا الرعاة للإنعام منها والكتبة لديوانها. قال ابن قدامة: هم السعاة الذين يبعثهم الامام لأخذها من أربابها وجمعها وحفظها ونقلها وممن يعينها ممن يسوقها ويرعاها ويحملها، وكذلك الحاسب والكاتب والكيال والوزان والعداد وكل من يحتاج إليه فيها - انتهى. وفي الحديث دليل على أنه تحل الصدقة للعامل وإن كان غنياً، والمراد بذلك ما يعطى بطريق العمالة، بضم المهملة وخفة الميم، أي رزقه على عمله. ولا خلاف في هذا بين أهل العلم، لأن ما يستحقه العامل إنما يستحقه بطريق العمالة لا بطريق الصدقة، فلا يشترط أن يكون فقيراً. قال الخطابي: أما العامل فإنه يعطى منها عمالة على قدر عمله وأجرة مثله فسواء كان غنياً أو فقيراً فإنه يستحق العمالة إذا لم يفعله متطوعاً - انتهى. فإن كان العامل عمالته على عمله لا على فقره فإن لم تكفه كان له أن يأخذ بفقره ما يأخذ أمثاله. ثم اختلف العلماء: هل يستحق العامل على عمله جزاء منها معلوماً معيناً سبعاً أو ثمناً أو يعطى قدر عمله على حسب اجتهاد الإمام، فحكى عن الشافعي إنه يعطى الثمن لكن في فروع الشافعية إنه يعطى قدر أجرة عمله، وهكذا عند المالكية الحنابلة والحنفية إنه يعطى بقدر أجره وعمله، روى أبوعبيد عن مالك أنه قال: ليس للعامل على الصدقة فريضة مسماة، إنما ذلك إلى نظر الإمام وإجتهاده. قال أبوعبيد: وكذلك قول سفيان وأهل العراق، وهذا عندنا هو المعمول به لا قول من يذهب إلى توقيت الثمن. ولو كان ذلك محدوداً لكانت حال الأصناف الثمانية كلهم كحالهم، أي كحال العاملين، لكنهم عندنا إنما هم ولاة من ولاة المسلمين كسائر العمال من الأمراء والحكام وجباة الفيء وغير ذلك فإنما لهم من المال بقدر سعيهم وعمالتهم ولا يبخسون منه شيئاً ولا يزادون عليه - انتهى. ثم إنه يبدأ بإعطاء العامل عند المالكية والحنابلة. لأنه يأخذه على طريق المعاوضة فكان إستحقاقه أقوى ولذلك يعطى جميعها إن كانت قدر عمله وإذا عجزت عن أجره تمم له من بيت المال. ولا يزاد على نصف ما يجمعه عند الحنفية، وعلى الثمن عند الشافعية. قال في الأحياء: إن فضل شيء من الثمن عن أجر مثله رد على بقية الأصناف، وإن نقص كمل من مال المصالح - انتهى. ثم اختلفوا: في أن الاستحقاق العامل بعمله هل على سبيل الكفاية له ولا عوانه أو على سبيل