يعطى الغارم من الزكاة ما يقضى دينه. وإن كان أنصباً كثيرة، وأجاب الكاساني عن هذا الحديث بمثل ما أجاب به في مسألة الغازي، فقال تسمية الغارم غنياً على اعتبار ما كان قبل حلول الغرم به، وقد حدثت له الحاجة بسبب الغرم وقد تقدم الجواب عن هذا (أو لرجل) أي غني (اشتراها) أي الزكاة من الفقير (بماله) وهذا بعمومه يقتضى جواز شراء المتصدق صدقته ممن دفعها إليه، وهو قول أبي حنيفة والشافعي ومن وافقهما، وحمل هؤلاء قوله - صلى الله عليه وسلم - لا تبتعه ولا تعد في صدقتك على كراهة التنزيه. وذهب قوم إلى عدم جواز شراء صدقة نفسه، وحملوا النهى على التحريم، وقالوا المراد بالرجل الغني في حديث أبي سعيد غير المتصدق، فيجوز له شراء صدقة غيره. قال ابن قدامة (ج٢:ص٦٥١) وليس لمخرج الزكاة شراءها ممن صارت إليه، وروى ذلك عن الحسن وهو قول قتادة ومالك. قال أصحاب مالك: فإن اشتراها لم ينقض البيع. وقال الشافعي وغيره: يجوز لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة، رجل ابتاعها بماله. وروى سعيد في سننه إن رجلاً تصدق على أمه بصدقة ثم ماتت، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: قد قبل الله صدقتك وردها إليك الميراث وهذا في معنى شراءها. ولأن ما صح أن يملك إرثاً صح أن يملك ابتياعاً كسائر الأموال. ولنا ما روى عمر أنه قال حملت على فرس في سبيل الله فأضاعه الذي كان عنده وظننت أنه بائعه برخص، فأردت أن أشتريه، فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: لا تبتعه ولا تعد في صدقتك ولو أعطاكه بدرهم - الحديث متفق عليه. فإن قيل يحتمل إنها كانت حبسا في سبيل الله فمنعه لذلك، قلنا لو كان حبساً لما باعها الذي هي في يده، ولا هم عمر بشراءها. ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما أنكر بيعها إنما أنكر على عمر الشراء معللاً بكونه عائداً في الصدقة الثاني إننا نحتج بعموم اللفظ من غير نظر إلى خصوص السبب. فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تعد في صدقتك أي بالشراء، والأخذ بعموم اللفظ أولى من التمسك بخصوص السبب، فإن قيل: إن اللفظ لا يتناول الشراء فإن العود في الصدقة استرجاعها بغير عوض وفسخ للعقد كالعود في الهبة، ولو وهب إنساناً شيئاً ثم اشتراه منه جاز. قلنا: النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر ذلك جواباً لعمر حين ٍسأله عن شراء الفرس، فلو لم يكن اللفظ متناولاً للشراء المسئول عنه لم يكن مجيباً له، ولا يجوز إخراج خصوص السبب من عموم اللفظ، لئلا يخلو السؤال عن الجواب. وقد روى عن جابر وابن عمر النهى عن اشتراء المتصدق صدقته، ولأن في شراءه لها وسيلة إلى استرجاع شيء منها. لأن الفقير يستحي منه فلا يماكسه في ثمنها، وربما رخصها له طمعاً في أن يدفع إليه صدقة أخرى. أما حديثهم فنقول به وإنها ترجع إليه بالميراث وليس هذا محل النزاع. قال ابن عبد البر: كل العلماء يقولون إذا رجعت إليه بالميراث طابت له إلا ابن عمر والحسن بن حي، وليس البيع في معنى الميراث لأن الملك ثبت بالميراث حكماً بغير اختياره، وحديث أبي سعيد