فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع،
ــ
لا تمل عنه. والمعنى إن هذا المال في الرغبة فيه، والميل إليه وحرص النفوس عليه كالفاكهة خضر في المنظر حلو في الذوق، ففيه تشبيه المال في الرغبة والميل إليه بالفاكهة الخضرة المستلذة المستحلاة الطعم. فان الأخضر مرغوب فيه على انفراده بالنسبة إلى اليابس والحلو كذلك على انفراده بالنسبة إلى الحامض، فالإعجاب بهما إذا اجتمعا أشد. وفيه إشارة إلى عدم بقاءه، لأن الخضروات لا تبقى ولا تراد للبقاء وذكر الخبر في هذه الرواية، ووقع في سائر الروايات إن هذا المال خضرة حلوة. قيل: أنث الخبر لأن المراد الدنيا. وقيل: لأن التقدير إن صورة هذا المال أو يكون التأنيث للمعنى؛ لأنه اسم جامع لأشياء كثيرة، والمراد بالخضرة الروضة الخضراء، أو الشجرة الناعمة والحلوة المستحلاة الطعم. قال في المصابيح: إذا كان قوله "خضرة" صفة للروضة أو المراد بها نفس الروضة الخضرة لم يكن ثم إشكال البتة، وذلك أن توافق المبتدأ والخبر في التأنيث. إنما يجب إذا كان الخبر صفة مشقة غير سببية نحو هند حسنة أو حكمها كالمنسوب. أما في الجوامد فيجوز نحو هذه الدار مكان طيب وزيد نسمة عجيبة - انتهى. وقال الحافظ: معناه إن صورة حسنة مونقة، والعرب تسمى كل شيء مشرق ناضر أخضر. وقال ابن الأنباري: قوله "خضرة حلوة" ليس هو صفة المال وإنما هو للتشبيه كأنه قال المال كالبقلة الخضراء الحلوة أو التاء فيه باعتبار ما يشتمل عليه المال من زهرة الدنيا. أو على معنى فائدة المال أي إن الحياة به أو العيشة أو إن المراد بالمال هنا الدنيا؛ لأنه من زينتها. قال الله تعالى:{المال والبنون زينة الحياة الدنيا}[الكهف:٤٦] وقد وقع في حديث أبي سعيد في السنن الدنيا خضرة حلوة فيتوافق الحديثان، ويحتمل أن تكون التاء فيهما للمبالغة (فمن أخذه) أي المال أخذاً متلبساً (بسخاوة) بفتح السين المهملة (نفس) أي من غير حرص عليه أو بغير شره ولا إلحاح أي من أخذه بغير سؤال ولا إشراف ولا تطلع ولا طمع وهذا بالنسبة إلى الآخذ، ويحتمل أن يكون بالنسبة إلى المعطى أي بسخاوة نفس المعطى أي انشراح صدره بما يعطيه يعني من أخذه ممن يعطى منشرحاً باعطاءه إياه طيب النفس لا بسؤال اضطره إليه أو نحوه مما لا تطيب معه نفس المعطى، والظاهر هو الأول (ومن أخذه بإشراف نفس) أي مكتسباً له بطلب النفس وحرصها عليه وتعرضها له وطعمها فيه وتطلعها اليه وهذا بالنسبة إلى الآخذ، ويحتمل أن يكون بالنسبة إلى المعطى أي بكراهيته من غير طيب نفس بالاعطاء كذا قيل: والظاهر هو الأول (لم يبارك له) أي الآخذ (فيه) أي في المعطى (وكان) أي السائل الآخذ الصدقة في هذه الصورة لما يسلط عليه من عدم البركة وكثرة الشره والنهمة (كالذي يأكل ولا يشبع) أي كذى الجوع الكاذب بسبب سقم من غلبة خلط سوداوي أو آفة ويسمى جوع