للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هلك، ثم يأتي زمان من عمل منهم بعشر ما أمر به نجا)) رواه الترمذي.

١٨٠- (٤١) وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل، ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية: {ماضربوه لك إلا جدلاً

ــ

لا يجوز صرف هذا القول إلى عموم المأمورات؛ لأنه عرف من أصل الشرع أن أحداً من المسلمين لا يعذر فيما يهمل من الفرض الذي تعلق بخاصة نفسه، وإن كثر أهل الظلم وقل أهل الحق، هكذا قال التوربشتي وغيره. قيل: لعل هذا غير مناسب لباب التمسك بالكتاب والسنة، فلأنسب أن يحمل على أمور الندب من السنن والنوافل، وفيه بحث لأن الأمر بالمعروف لا يعرف إلا منهما، وأيضاً الهلاك لا يترتب على ترك الندب مطلقاً فضلاً عن عشره، قاله القاري. (هلك) أي وقع في الهلاك لظهور الحق، ومشاهدة المعجزات، ومظاهرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعزة الإسلام، وكثرة أنصاره بحيث لو تكلم شخص بالحق نصروه، وخذلوا من نازع، فالترك يكون تقصيراً منكم، فلا يعذر أحد منكم في التهاون، والأمر على ذلك (ثم يأتي زمان) يضعف فيه الإسلام، ويكثر الظلمة والفساق، وتشيع الفتن، ويتوارى الحق، ويقل أنصاره فيعذر المسلمون فيما أهملوه من هذا الباب لعدم القدرة. (من عمل منهم) أي من أهل ذلك الزمان (بعشر ما أمر به نجا) ؛ لأنه المقدور، {ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها} [٢٨٥:٢] . (رواه الترمذي) في أواخر الفتن، وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث نعيم بن حماد عن ابن عيينة- انتهى. ونعيم بن حماد هذا صدوق يخطيء كثيراً، كما في التقريب. وفي معنى الحديث روي عن أي ذر أخرج حديثه أحمد.

١٨٠- قوله: (إلا أوتوا الجدل) أي أعطوه، وهو حال "وقد" مقدرة، والمستثنى منه أعم الأحوال، وذو الحال فاعل "ما ضل" لا الضمير المستتر الذي في خبر كان كما توهمه الطيبي، فإنه فاسد معنى، وإن كان الضمير المذكور راجعاً إلى فاعل "ما ضل" فليفهم، قاله السندي. والمعنى: ما كان وقوعهم في الضلالة إلا بسبب الجدال، وهو الخصام بالباطل، وضرب الحق به، وضرب الحق بعضه ببعض بإيداء التعارض والتدافع والتنافي بينهما، لا المناظرة لطلب الصواب مع التفويض إلى الله عند العجز عن معرفة الكنه. (ثم قرأ) أي توضيحاً لما ذكر بذكر مثال له، لا للاستدلال به على الخصم المذكور، فإنه لا يدل عليه. (ماضربوه) أي هذا المثل (لك إلا جدلاً) أي إلا لمخاصمتك، ولإيذائك بالباطل، لا لطلب الحق، فإن قلت: قريش ما كانوا على الهدى، فلا يصلح ذكرهم مثالاً. قلت: نزل تمكنهم منه بواسطة البراهين الساطعة منزلة كونهم عليه، فحيث دفعوا بعد ذلك الحق بالباطل، وقرروا الباطل بقولهم: آلهتنا خير أم هو؟ يريدون أنهم يعبدون الملائكة وهم خير من عيسى، وقد عبدوه النصارى، فحيث صح لهم عبادته صح لنا عبادتهم بالأولى، فصاروا مثالاً لما فيه الكلام. وقيل الأصح في معنى الآية أن عبد الله بن الزبعرى قبل إسلامه جادل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوله تعالى: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم} [٩٨:٢١] لآلهتنا أي الأصنام خير عندك أم عيسى؟

<<  <  ج: ص:  >  >>