اختلافهم تعارض الآثار. أحدها: ما روى عن حفصة أنه قال عليه الصلاة والسلام: من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له، ورواه مالك موقوفاً. قال أبوعمر بن عبد البر: حديث حفصة في إسناده اضطراب. والثاني: ما رواه مسلم عن عائشة قالت: قال لي: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم يا عائشة! هل عندكم شيء قلت: يا رسول الله! ما عندنا شيء قال فإني صائم. فمن ذهب مذهب الترجيح أخذ بحديث حفصة ومن ذهب مذهب الجمع فرق بين الفرض والنفل أعنى حمل حديث حفصة على الفرض وحديث عائشة على النفل وإنما فرق أبوحنيفة بين الواجب المعين والواجب في الذمة لأن الواجب المعين له وقت مخصوص يقوم مقام النية في التعيين بخلاف ما ليس له وقت مخصوص فوجب التعيين بالنية - انتهى. بتغيير يسير. قلت: احتج مالك ومن وافقه بحديث حفصة فإنه عام يشمل الفرض والنافلة ورجحه المالكية بحديث إنما الأعمال بالنيات، وبالقياس على الصلاة إذ فرضها ونفلها في وقت النية سواء واحتج الجمهور لعدم وجوب التثبييت في التطوع أي لجواز النافلة بنية من النهار بحديث عائشة المتقدم، وبما روى في ذلك من آثار الصحابة والتابعين كعائشة وابن عمر وابن عباس وأنس وأبي طلحة وأبي أيوب ومعاذ بن جبل وأبي الدرداء وابن مسعود وحذيفة وابن المسيب وعطاء بن أبي باح ومجاهد والشعبي والحسن البصري. قالوا: فحديث حفصة يحمل على الفرض ويخص عموم فلا صيام له بحديث عائشة. قال ابن قدامة (ج٣ ص٩٦) صوم التطوع يجوز بنية من النهار عند إمامنا (الإمام أحمد) وأبي حنيفة والشافعي. وروى ذلك عن أبي الدرداء وأبي طلحة وابن مسعود وحذيفة وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وأصحاب الرأي. وقال مالك وداود: لا يجوز إلا بنية من الليل لحديث حفصة. ولأن الصلاة يتفق وقت النية لفرضها ونفلها وكذلك الصوم ولنا حديث عائشة (المتقدم ذكره في كلام القاري وابن رشد) وحديثهم نخصه بحديثنا على أن حديثنا أصح من حديثهم. والصلاة يتفق وقت النية لنفلها وفرضها لأن اشتراط النية في أول الصلاة لا يفضي إلى تقليلها بخلاف الصوم فإنه يعين له الصوم في النهار فعفي عنه كما لو جوزنا التنفل قاعداً وعلى الراحلة لهذه العلة - انتهى مختصراً. وأجاب المالكية ومن وافقهم عن حديث عائشة بأنه - صلى الله عليه وسلم - قد كان نوى الصوم من الليل. وإنما أراد الفطر لما ضعف عن الصوم وهو محتمل لاسيما على رواية فلقد أصبحت صائماً. وقال الأمير اليماني: حديث عائشة أعم من أن يكون بيت الصوم أولاً فيحمل على التبييت لأن المحتمل يرد إلى العام ونحوه على أن في روايات حديثها إني كنت قد أصبحت صائماً. وقال ابن حزم (ج٦ ص١٧٢) ليس في هذا الحديث أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن نوى الصيام من الليل وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام لا صيام لمن لم يبيته من الليل فلم يجز أن نترك هذا اليقين لظن كاذب وأما ما روى الدارقطني (ص٢٣٦) عن عائشة قالت: ربما دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغدائه فلا يجده فيفرض