لأنه لم يدرك بعد ذلك رمضان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - انتهى. وسبق إلى ذلك الشافعي كما حكاه البيهقي عنه في المعرفة وفي السنن الكبرى (ج٤ ص٢٦٨) واعترض بأنه قد اختلف التوقيت في حديث شداد ففي رواية عند البيهقي أنه كان عام الفتح والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان حينئذٍ بمكة، وفي حديثه عند أبي داود والبيهقي أيضاً إن ذلك كان بالبقيع وهو بالمدينة، وكذا وقع في حديث ثوبان عند البيهقي (ج٤ ص٢٦٦) ففي دعوى النسخ على هذا نظر. وأيضاً في حديث ابن عباس إنه احتجم صائماً محرماً ولم يكن محرماً وهو مقيم، وإنما كان محرماً وهو ومسافر وللمسافر أن يفطر على ما شاء من طعام وجماع وحجامة، وكذا للمتطوع بالصوم أن يفطر متى شاء بالحجامة وغيرها. قال ابن حبان: لا يعارض حديث ابن عباس حديث أفطر الحاجم والمحجوم؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن قط محرماً إلا وهو مسافر والمسافر يباح له الإفطار. وقال ابن خزيمة في هذا الحديث: أنه كان صائماً محرماً، قال: ولم يكن قط محرماً. وهو مقيم ببلده، إنما كان محرماً وهو مسافر، والمسافر إن كان ناوياً للصوم فمضى عليه بعض النهار وهو صائم أبيح له الأكل والشرب على الصحيح، فإذا جاز له ذلك جاز له أن يحتجم وهو مسافر في بعض نهار الصوم. وإن كانت الحجامة تفطره - انتهى. قال الزيلعي (ج٢ ص٤٧٨) لفظ البخاري ربما يدفع هذا التأويل؛ لأنه فرق بين الخبرين فقال احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم فلينظر في ذلك. وقال الحافظ في الفتح بعد ذكر تأويل ابن خزيمة. وتعقب بأن الحديث ما ورد هكذا لا لفائدة، فالظاهر أنه وجدت من الحجامة وهو صائم لم يتحلل من صومه واستمر. وقال الخطابي في المعالم (ج٢ ص١١١) متعقباً على ابن خزيمة هذا التأويل غير صحيح، لأنه قد أثبته حين احتجم صائماً، ولو كان يفسد صومه بالحجامة لكان يقال أنه أفطر بالحجامة، كما يقال أفطر الصائم بشرب الماء وبأكل التمر وما أشبههما، ولا يقال شرب ماء صائماً ولا أكل تمراً وهو صائم - انتهى وحاصله إن قوله "وهو صائم" دال على بقاء الصوم. قال الحافظ في التلخيص (ص١٩٠) بعد ذكره قلت: ولا مانع من إطلاق ذلك باعتبار ما كان حالة الاحتجام لأنه على هذا التأويل إنما أفطر بالاحتجام والله أعلم- انتهى. وقال ابن حزم في المحلى (ج٦ ص٢٠٤) صح حديث أفطر الحاجم والمحجوم، فوجب الأخذ به إلا أن يصح نسخة ثم رد على من ادعى نسخة بحديث ابن عباس. ثم قال لكن وجدنا من حديث أبي سعيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرخص في الحجامة للصائم، وإسنادة صحيح. فوجب الأخذ به لأن الرخصة لا تكون إلا بعد العزيمة، فدل على نسخ الفطر بالحجامة سواء كان حاجماً أو محجوماً - انتهى مختصراً. والحديث المذكور أخرجه النسائي وابن خزيمة والدارقطني والبزار والطبراني في الأوسط والبيهقي. قال الحافظ في الفتح: رجاله ثقات. ولكن اختلف في رفعه ووقفه وله شاهد من حديث أنس أخرجه الدارقطني، ولفظه أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم فمر به