للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

......................

ــ

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أفطر هذان. ثم رخص النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك في الحجامة للصائم. وكان أنس يحتجم وهو صائم، ورواته كلهم من رجال البخاري إلا أن في المتن ما ينكر، لأن فيه إن ذلك في الفتح وجعفر كان قتل قبل ذلك، ومن أحسن ما ورد في ذلك ما رواه عبد الرزاق وأبوداود عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الحجامة للصائم، وعن المواصلة ولم يحرمهما إبقاء على أصحابه إسناده صحيح. والجهالة بالصحابي لا تضر، وقوله "إبقاء على أصحابه" يتعلق بقوله نهي، وقد رواه ابن أبي شيبة بلفظ: عن أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - قالوا: إنما نهى النبي عن الحجامة للصائم وكرهها للضعيف أي لئلا يضعف- انتهى كلام الحافظ. الوجه الثاني الجمع والتأويل. قال الخطابي (ج٢ ص١١٠) وتأول بعضهم حديث أفطر الحاجم والمحجوم. فقال: معناه تعرضاً للإفطار. أما المحجوم فللضعف الذي يلحقه من ذلك فيؤديه إلى أن يعجز من الصوم. وأما الحاجم فلأنه لا يؤمن أن يصل إلى جوفه من طعم الدم أو من بعض إجراحه إذا ضم شفتيه على قصب الملازم، وهذا كما يقال للرجل يتعرض للمهالك قد هلك فلان وإن كان باقياً سالماً. وإنما يراد أنه قد أشرف على الهلاك، وكقوله - صلى الله عليه وسلم -: من جعل قاضياً فقد ذبح بغير سكين، يريد أنه قد تعرض للذبح - انتهى. وبنحوه قال البغوي كما سيأتي في الفصل الثاني. ورده ابن تيمية بأن قوله - صلى الله عليه وسلم -: أفطر الحاجم والمحجوم له نص في حصول الفطر لهما فلا يجوز أن يعتقد بقاء صومهما، والنبي - صلى الله عليه وسلم - مخبر عنهما بالفطر لاسيما، وقد أطلق هذا القول إطلاقاً من غير أن يقرنه بقرينة تدل على أن ظاهره غير مراد، فلو جاز أن يريد مقاربة الفطر دون حقيقته، لكان ذلك تلبيساً لا تبييناً للحكم - انتهى. قال الأمير اليماني: بعد ذكر هذا قلت: ولا ريب في أن هذا هو الذي دل له قوله في حديث أنس في قصة احتجام جعفر أفطر هذان ثم رخص النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد في الحجامة، وتقدم أنه من أدلة نسخ حديث أفطر الحاجم والمحجوم. وقيل في تأويله بأن المراد بذلك رجلان بعينهما كان مشتغيلين بالغيبة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أفطر الحاجم والمحجوم أي للغيبة لا للحجامة، أخرجه الطحاوي وعثمان الدارمي والبزار والبيهقي في المعرفة، وفي السنن وغيرهم. وفيه يزيد بن أبي ربيعة وهو متروك. وحكم علي بن المديني بأنه حديث باطل. وقال ابن خزيمة: في هذا التأويل إنه أعجوبة لأن القائل به لا يقول إن الغيبة تفطر الصائم. وقال أحمد: ومن سلم من الغيبة ولو كانت الغيبة تفطر ما كان لنا صوم، وقد وجه الشافعي هذا القول وحمل الإفطار بالغيبة على سقوط أجر الصوم مثل قوله - صلى الله عليه وسلم - للمتكلم، والخطيب يخطب لا جمعة له ولم يأمره بالإعادة، فدل على أنه أراد سقوط الأجر، وحينئذٍ فلا وجه لجعله أحجوبة كما قال ابن خزيمة. وقيل في تأويله أيضاً إن الحجامة كانت مع الغروب أي مر بهما - صلى الله عليه وسلم - مساء، فقال: أفطر الحاجم والمحجوم كأنه عذرهما

<<  <  ج: ص:  >  >>