فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: أطعمه أهلك)) .
ــ
النافية وأفقر بالنصب على أنه خبرها إن أجعلت "ما" حجازية، وبالرفع إن جعلتها تميمية قاله الزركشي وغيره. وقال البدر الدماميني: وكذا إن جعلتها حجازية ملغاة من عمل النصب بناء على أن قوله "ما بين لابيتها" خير مقدم، وأهل بيت مبتدأ مؤخر، وأفقر صفة له، وفي رواية عقيل: ما أحد أحق به من أهلي ما أحد أحوج إليه مني، وفي مرسل سعيد: والله ما لعيالي من طعام، وفي حديث عائشة عند ابن خزيمة: ما لنا عشاء ليلة (فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت) أي ظهرت (أنيابه) جمع ناب، وهو السن الذي بعد الرباعية، وهي أربعة. وفي رواية ابن إسحاق حتى بدت نواجذه. قيل: إن ضحكة - صلى الله عليه وسلم - كان تعجباً من تباين حال الرجال حيث جاء خائفاً على نفسه، راغباً في فداءهما مهما أمكنه، فلما وجد الرخصة طمع في أن يأكل ما أعطيه من الكفارة. وقيل: ضحك من حال الرجل في مقاطع كلامه وحسن تأنيه وتلطفه في الخطاب، وحسن توسله في توصله إلى مقصوده. قيل: وقد يكون من رحمة الله تعالى وتوسعة عليه وإطعامه له هذا الطعام، وإحلاله له بعد أن كلف إخراجه، والضحك، غير التبسم. وقد ورد إن ضحكه كان تبسماً أي في غالب أحواله (أطعمه) أي ما في العرق من التمر (أهلك) أي من تلزمك نفقته أو مطلق أقاربك، ولابن عيينة عند البخاري في الكفارات أطعمه عيالك، ولأبي قرة عن ابن جريج ثم قال كله. ولابن إسحاق خذها وكلها وأنفقها على عيالك، ونحوه في رواية عبد الجبار ابن عمر وحجاج بن أرطاة وهشام بن سعد كلهم عن الزهري عند البيهقي (ج٤ ص٢٢٦) وغيره. واستدل به على سقوط الكفارة عن المعسر وهو أحد قولي الشافعية وإحدى الروايتين عن أحمد وبه جزم عيسى بن دينار من المالكية وهو قول الأوزاعي. قال ابن قدامة (ج٣ ص١٣٢) وإن عجز عن العتق والصيام والإطعام سقطت الكفارة عنه في إحدى الروايتين (عن أحمد) بدليل إن الأعرابي لما دفع إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - التمر وأخبره بحاجته إليه قال أطعمه أهلك ولم يأمره بكفارة أخرى، وهذا قول الأوزاعي. وقال الزهري: لابد من التكفير وهذا خاص لذلك الأعرابي لا يتعداه بدليل أنه أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإعساره قبل أن يدفع إليه العرق، ولم يسقط عنه؛ ولأنها كفارة واجبة فلم تسقط بالعجز عنها كسائر الكفارات، وهذا رواية ثانية عن أحمد، وهو قياس قول أبي حنيفة والثوري وأبي ثور وعن الشافعي كالمذهبين. ولنا الحديث المذكور ودعوى التخصيص لا تسمع بغير دليل، وقولهم إنه أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بعجزه فلم يسقطها، قلنا قد أسقطها عنه بعد ذلك وهذا آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا يصح القياس على سائر الكفارات. لأنه إطراح للنص بالقياس والنص أولى - انتهى. قلت آخر الحديث ليس نصاً في إسقاط الكفارة عند الإعسار بل هو محتمل لوجوه أخرى كما سيأتي، وأول