للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٩٦- (٥٧) وعن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن أحاديثنا ينسخ بعضها بعضاً كنسخ القرآن)) .

ــ

من تلقاء نفسي} [١٥:١٠] ، وقيل: المراد نأت بخير منها في الحكم ومصلحته. والسنة تساوي القرآن في ذلك، إذ المصلحة الثابتة بالسنة قد تكون أضعاف المصلحة الثابتة بالقرآن إما في عظم الأجر بناء على نسخ الأخف بالأثقل أو في تخفيف التكليف بناءً على نسخ الأثقل بالأخف، وأيضاً فإن الآية على التقديم والتأخير. والتقدير: ما ننسخ من آية نأت منها بخير، فلا يكون فيه دلالة على محل النزاع أصلاً. وقال في المستصفى: ليس المراد من قوله تعالى: {نأت بخير منها} نأت بقرآن آخر خيراً منها؛ لأن القرآن لا يوصف بكون بعضه خيراً من بعض، قال: بل معناه أن يأتي بعمل خير من ذلك العمل، لكونه أخف منه، أو أجزل ثواباً، هذا كلامه. وعليه فلا دليل للمنع في هذه الآية. واستدل المانعون أيضاً بحديث جابر هذا، قالوا: هو نص في المسألة، وأجيب عنه بعدة وجوه: الأول أنه ضعيف جداً بل موضوع. فإن في سنده محمد بن داود القنطري، روى عن جبرون بن واقد الإفريقي، عن ابن عيينة، وعن أبي الزبير. قال الذهبي في الميزان في ترجمة محمد بن داود: وحدث بحديثين باطلين، ذكرهما ابن عدي في ترجمة جبرون، وقال تفرد بهما محمد. وقال الذهبي في ترجمة جبرون: متهم، فإنه روى بقلة حياء عن سفيان، عن أبي الزبير، عن جابر مرفوعاً: كلام الله-الحديث، وعنه محمد بن داود أن مخلد بن حسين حدثه عن هشام بن حسان، عن محمد، عن أبي هريرة مرفوعاً: أبوبكر وعمر خير الأولين-الحديث، تفرد بهما القنطري، وهما موضوعان- انتهى. والثاني على تسليم صحته أنه ليس نصاً في محل النزاع، بل هو ظاهر؛ لأن لفظه عام، ودلالة العام ظاهرة لا قاطعة، فيحمل على أن خبر الواحد لا ينسخ القرآن فيبقى التواتر لا دليل على المنع فيه من ذلك. والثالث أن المراد بكلامي ههنا ما أقوله اجتهاداً ورأياً. والرابع أن المراد نسخ تلاوة الكتاب وألفاظه لا حكمه. وقيل: إنه منسوخ. قال صاحب اللمعات: ولو حمل قوله: "كنسخ القرآن" في الحديث الآتي على معنى نسخ الأحاديث القرآن بإضافة المصدر إلى المفعول لكان ناسخاً لهذا الحديث-انتهى. والصورة الخامسة للنسخ هو نسخ القرآن والسنة المتواترة بأخبار الآحاد، وفيه أيضاً اختلاف فالأكثر على أنه غير جائز شرعاً، وحكى غير واحد الإجماع على ذلك، واحتجوا بأن الثابت قطعاً لا ينسخه مظنون، وقال قوم من أهل الظاهر، ومن ابن حزم بجواز ذلك، وقالت طائفة: يجوز في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يجوز بعده. ودليل القائلين بالجواز أن الناسخ في الحقيقة إنما جاء رافعاً لاستمرار حكم المنسوخ ودوامه، وذلك ظني وإن كان دليله قطعياً، فالمنسوخ إنما هو الظني لا ذلك القطعي. ذكر هذا الطوفي وأطال في بيانه، ومال إلى جواز نسخ الكتاب ومتواتر السنة بخبر الواحد. وتفاصيل مذاهب الكل مع دلائلها مذكورة في كتب أصول الفقه، فارجع إليها خصوصاً إلى إرشاد الفحول للشوكاني، وروضة الناظر للمقدسي، والإحكام لأصول الأحكام لابن حزم، والمستصفى للغزالى.

١٩٦- قوله: (إن أحاديثنا) أي بشرط صحتها (ينسخ بعضها بعضاً) أي بشرط معرفة التاريخ (كنسخ القرآن) ،

<<  <  ج: ص:  >  >>