للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ففي مسند أحمد إن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل المسجد وأبوإسرائيل يصلي فقيل للنبي صلى الله عليه وسلم هو ذا يا رسول الله؟ لا يقعد ولا يكلم الناس ولا يستظل ولا يفطر، فقال ليقعد وليتكلم وليستظل وليفطر. وروى الخطيب عن ابن عباس كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة فنظر إلى رجل من قريش يقال له أبوإسرائيل، فقالوا: نذر أن يصوم ويقوم في الشمس-الحديث. وأما صاحب القصة في حديث جابر فكان في السفر تحت الظل والله أعلم (قد ظلل عليه) بتشديد اللام الأولى على بناء المفعول أي جعل عليه شيء يظله من الشمس لغلبة العطش عليه وحر الصوم، وفي رواية للنسائي رأى ناسا مجتمعين على رجل فسأل فقالوا: رجل أجهده الصوم، وفي أخرى مر برجل في ظل شجرة يرش عليه الماء. قال ما بال صاحبكم (فقال ما هذا) أي ما حال صاحبكم هذا، وقيل أي ما هذا الزحام أو التظليل (قالوا) أي من حضر من الصحابة (صائم) أي وقد أجهده الصوم وشق عليه (ليس من البر) بكسر الباء أي ليس من الطاعة والعبادة (الصوم في السفر) قال الزركشي: "من" زائدة لتأكيد النفي. وقيل: للتبعيض وليس بشيء، وتعقبه البدر الدماميني، فقال: هذا عجيب لأنه أجاز ما المانع منه قائم، ومنع ما لا مانع منه، وذلك إن من شروط زيادة من أن يكون مجرورها نكرة، وهو في الحديث معرفة. وهذا هو المذهب المعول عليه وهو مذهب البصريين خلافاً للاخفش والكوفيين، وأما كونها للتبعيص فلا لمنعه وجه إذا المعنى إن الصوم في السفر ليس معدودا من أنواع البر كذا ذكره القسطلاني، وقد تقدم إن بعض الظاهرية تمسكوا به على عدم انعقاد صوم الفرض في السفر وسلك المجيزون، وهم عامة أهل العلم فيه طرقا. فقال الخطابي (ج٢ص١٢٤) هذا الكلام خرج على سبب فهو مقصور عليه وعلى من كان في مثل حاله كأنه قال ليس من البر أن يصوم المسافر، إذا كان الصوم يؤديه إلى مثل هذه الحال بدليل صيام النبي صلى الله عليه وسلم في سفره عام الفتح، وبدليل خبر حمزة الأسلمي وتخييره بين الصوم والإفطار، ولو لم يكن الصوم برا لم يخيره فيه، ولو كان إثما لكان أبعد الناس منه، وإلى هذا جنح البخاري حيث بوب على هذا الحديث بلفظ: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن ظلل عليه واشتد الحر ليس من البر الصوم في السفر. قال الحافظ: أشار بهذه الترجمة إلى أن سبب قوله - صلى الله عليه وسلم - ذلك ما ذكر من المشقة، وإن كمن روى الحديث مجردا. فقد اختصر القصة، وبما أشار إليه من اعتبار المشقة يجمع بين حديث الباب، والذي يدل على صومه في السفر-انتهى. وقال ابن دقيق العيد (ج٢ص٢٢٥) أخذ من هذا إن كراهة الصوم في السفر لمن هو في مثل هذه الحالة ممن يجهده الصوم ويشق عليه أو يؤدي به إلى ترك ما هو أولى من الصوم من وجوه القرب، فينزل قوله ليس من البر الصوم في السفر على مثل هذه الحالة. قال: والظاهرية المانعون من الصوم في السفر يقولون إن اللفظ عام والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب،

<<  <  ج: ص:  >  >>