صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله. صم كل شهر ثلاثة أيام، واقرأ القرآن في كل شهر.
ــ
وفيه إن رب المنزل إذا نزل به ضعيف يفطر لأجله. وقال القاري: أي وتعجز بالصيام والقيام عن حسن معاشرته، والقيام بخدمته ومجالسته إما لضعف البدن أو لقوة سوء الخلق-انتهى. وزاد مسلم "وإن لولدك عليك حقاً" أي ومن حق الأولاد الرفق بهم والانفاق عليهم وشبه ذلك من التأديب والتعليم، وزاد النسائي وإنه عسى أن يطول بك عمر، وفيه إشارة إلى ما وقع لعبد الله بن عمرو بعد ذلك من الكبر والضعف والعجز عن المحافظة على ما التزمه ووظفه على نفسه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن دقيق العيد: كره جماعة قيام كل الليل لرد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك على من أراده، ولما يتعلق به من الاجحاف بوظائف عديدة وفعله جماعة من المتعبدين من السلف وغيرهم، ولعلهم حملوا الرد على طلب الرفق بالخلق لا غير، وهذا الاستدلال على الكراهة بالرد المذكور عليه سؤال هو أنه يقال إن الرد لمجموع أمرين، وهو صيام النهار وقيام الليل، فلا يلزمه ترتبه على أحدهما-انتهى. وقال النووي: نهيه صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل كله هو على إطلاقه غير مختص بعبد الله بن عمرو بل قال أصحابنا: يكره صلاة كل الليل دائماً لكل أحد، لأن صلاة الليل كله لا بد فيها من الإضرار بنفسه وتفويت بعض الحقوق، فإنه إن لم ينم بالنهار فهو ضرر ظاهر، وإن نام نوماً ينجبره سهره وفوت بعض الحقوق بخلاف من يصلي بعض الليل، فإنه يستغنى بنوم باقيه، وإن نام معه شيئاً في النهار كان يسيراً لا يفوت به حق، وكذا من قام ليلة كاملة كليلة العيد أو غيرها لا دائماً لا كراهة فيه لعدم الضرر والله أعلم (لا صام من صام الدهر) يحتمل أن يكون خبرا وأن يكون دعاء كما مر، والأول هو الأظهر وقد تقدم البسط في مسألة صوم الدهر في شرح حديث أبي قتادة (صوم ثلاثة أيام من كل شهر) مبتدأ خبره (صوم الدهر) لأن الحسنة بعشر أمثالها (كله) بالجر تأكيد للدهر، وفيه دليل على استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر. واختلف في تعيينها من الشهر اختلافاً في تعيين الأحب والأفضل لا غير، وليس في الحديث ما يدل على شيء من ذلك (صم) أي أنت بالخصوص ومن هو في المعنى مثلك، وبهذا يندفع توهم التكرار المستفاد مما قبله قاله القاري. قلت: وقع في رواية بعد قوله "صم وأفطر وقم ونم" صم من الشهر ثلاثة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر، وهذا يدل أيضاً على هذا ما وقع في رواية أخرى بعد قوله "وإن لزورك عليك حقاً" وإن بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها فإذا ذلك صيام الدهر كله (كل شهر) منصوب بنزع الخافض أي من كل شهر (ثلاثة أيام) ظرف قيل هي أيام البيض وقيل غير ذلك (واقرأ القرآن) أي جميعه (في كل شهر) أي مرة