القول الأول إن أول نزول القرآن كان بلسان قريش ثم سهله الله تعالى على الناس فجوز لهم أن يقرؤه على لغاتهم. قال الحافظ: وذلك بعد أن كثر دخول العرب في الإسلام فقد ثبت إن ورود التخفيف بذلك كان بعد الهجرة كما في حديث أبي كعب، إن جبريل لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو عند إضاءة بني غفار فقال الله يأمرك أن تقرأ على أمتك القرآن على حرف، فقال أسأل الله معافاته ومغفرته فإن أمتي لا تطيق ذلك- الحديث. أخرجه مسلم وإضاءة بني غفار بفتح الهمزة والضاد المعجمة بغير همز وآخره تاء تأنيث هو مستنقع الماء كالغدير، وجمعه إضاً كعصا. وقيل: بالمد والهمز مثل إناء وهو موضع بالمدينة النبوية ينسب إلى بني غفار بكسر المعجمة وتخفيف الفاء لأنهم نزلوا عنده. الثاني قد اختلفوا إن الأحرف السبعة المذكورة في الحديث هل هي باقية إلى الآن يقرأ بها أم كان ذلك ثم استقر الأمر على بعضها. قال القسطلاني: وإلى الثاني ذهب الأكثر كسفيان بن عيينة وابن وهب والطبري والطحاوي- انتهى. قلت قال الطحاوي. وإنما كان ذلك رخصة لما كان يتعسر على كثير منهم التلاوة بلفظ واحد لعدم علمهم بالكتابة والضبط وإتقان الحفظ ثم نسخ بزوال العذر وتيسر الكتابة والحفظ وكذا قال ابن عبد البر والباقلاني وآخرون كذا في المرقاة والإتقان. قلت: وإلى الأول ذهب الباجي حيث قال فإن قيل هل تقولون إن جميع هذه السبعة الأحرف ثابتة في المصحف فالقراءة بجميعها جائزة قيل لهم كذلك، نقول والدليل على صحة ذلك قول الله عزوجل {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}[الحجر: ٩] ولا يصح انفصال الذكر المنزل من قراءته فيمكن حفظه دونها، ومما يدل على صحته ما ذهبنا إليه إن ظاهر قول النبي - صلى الله عليه وسلم - يدل على أن القرآن أنزل على سبعة أحرف تيسيراً على من أراد قراءته ليقرأ كل رجل منهم بما تيسر عليه وبما هو أخف على طبعه وأقرب إلى لغته، ونحن اليوم مع عجمة ألسنتنا وبعدنا عن فصاحة العرب أحوج إلى ذلك- انتهى بتغيير يسير. وقال العيني: اختلف الأصوليون هل يقرأ اليوم على سبعة أحرف فمنعه الطبري وغيره، وقال إنما يجوز بحرف واحد اليوم وهو حرف زيد ونحى إليه القاضي أبوبكر. وقال الشيخ أبوالحسن الأشعري: اجمع المسلمون على أنه لا يجوز حظر ما وسعه الله تعالى من القراءات بالأحرف التي أنزلها الله، ولا يسوغ للأمة أن تمنع ما أطلقه الله بل هي موجودة في قراءتنا وهي مفرقة في القرآن غير معلومة بأعيانها فيجوز على هذا، وبه قال القاضي أن يقرأ بكل من نقله أهل التواتر من غير تمييز حرف من حرف فيحفظ حرف نافع بحرف الكسائي وحمزة ولا حرج في ذلك، لأن الله تعالى أنزلها تيسيراً على عبده ورفقاً وقال الخطابي: الأشبه فيه ما قيل إن القرآن أنزل مرخصاً للقاري بأن يقرأ بسبعة أحرف على ما تيسر وذلك إنما هو فيما اتفق فيه المعنى أو تقارب، وهذا قبل إجماع الصحابة رضي الله عنهم، فأما الآن فلا يسعهم أن يقرؤه على خلاف ما أجمعوا عليه. الثالث اختلف القائلون باستقرار الأمر على بعض الأحرف السبعة هل استقر ذلك في زمن النبوي أم بعده. قال القسطلاني: