والزرقاني: الأكثر على الأول واختاره أبوبكر الباقلاني وابن عبد البر وابن العربي وغيرهم، لأن ضرورة اختلاف اللغات ومشقة نطقهم بغير لغتهم اقتضت التوسعة عليهم في أول الأمر فإذن. لكل أن يقرأ على حرفه أي طريقته في اللغة إلى أن انضبط الأمر وقد ربت الألسن وتمكن الناس من الاقتصار على لغة واحدة فعارض جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن مرتين في السنة الأخيرة، واستقر ما هو عليه الآن فنسخ الله تعالى تلك القراءة الماذون فيها بما أوجبه من الاقتصار على هذه القراءة التي تلقاها الناس- انتهى. قلت: وهو اختيار الطحاوي كما يدل عليه كلامه الذي ذكرنا في التنبيه الثاني، وحكى السيوطي في الإتقان عن الطبري أنه قال: القراءة على الأحرف السعة لم تكن واجبة على الأمة، وإنما كان جائزاً لهم ومرخصاً لهم فيهم، فلما رأى الصحابة إن الأمة تفترق وتختلف إذا لم يجمعوا على حرف واحد اجتمعوا على ذلك إجماعاً شائعاً وهم معصومون من الضلالة ولم يكن في ذلك ترك واجب ولا فعل حرام. ولا شك أن القرآن نسخ منه في العرضة الأخيرة فاتفق رأى الصحابة على أن كتبوا ما تحققوا إنه قرآن مستقر في العرضة الأخيرة وتركوا ما سوى ذلك- انتهى. وقال البغوي في شرح السنة كما في الفتح المصحف الذي استقر عليه الأمر هو آخر العرضات على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمر عثمان بنسخة في المصاحف وجمع الناس عليه وأذهب ما سوى ذلك قطعاً لمادة الخلاف فصار ما يخالف خط المصحف في حكم المنسوخ والمرفوع كسائر ما نسخ ورفع فليس لأحد أن يعد وفي اللفظ إلى ما هو خارج عن الرسم- انتهى. الرابع اختلف في أن القراءات السبعة التي يقرأها الناس اليوم هل هذه الأحرف السبعة المذكورة في الحديث أو هي حرف واحد منها؟ قال الأبي في الإكمال: الأول ظاهر قول الباقلاني والثاني نص قول ابن أبي صفرة وهو ظاهر قول الطحاوي، والأظهر في المسألة مختار أبي عبد الله بن عرفة إن المراد بالأحرف المذكورة في الحديث أحرف قراءات السبع اليوم، وقراءة يعقوب داخلة في ذلك، لأنه أخذها عن أبي عمرو ولأن بذلك يظهر التسهيل والتيسير الذي هو سبب نزوله عليها وبه أيضاً معجزة قوله {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}[الحجر: ٩] لأنها محفوظة مع مرور مئين من السنين وبه أيضاً تعرف ضعف قول ابن أبي صفرة لأنها لو كانت واحدة من تلك الأحرف لزم أن توجد بقيتها وإن لم تحفظ لاقتضاء الآية ذلك- انتهى. وقال الحافظ قال أبوشامة: ظن قوم إن قراءات السبع الموجودة الآن هي التي أريدت في الحديث وهو خلاف إجماع أهل العلم قاطبة، وإنما يظن ذلك بعض أهل الجهل قال وقد بالغ أبوطاهر بن أبي هاشم في الرد على من نسب إلى ابن مجاهد أن مراده بالقراءات السبع الأحرف السبعة المذكورة في الحديث، قال ابن أبي هاشم: إن السبب في اختلاف القراءات السبع وغيرها إن الجهات التي وجهت إليها المصاحف كان بها من الصحابة من حمل عنه أهل تلك الجهة، وكانت المصاحف خالية من النقط والشكل قال، فثبت أهل كل ناحية على ما كانوا تلقوه سماعاً عن الصحابة بشرط موافقة الخط وتركوا