له طهوراً وزكاة وقربة تقربه بها منه يوم القيامة، وفيه قصة لأم سليم. قال النووي: في الحديث بيان ما كان عليه - صلى الله عليه وسلم - من الشفقة على أمته والاعتناء بمصالحهم والاحتياط لهم والرغبة في كل ما ينفعهم. ورواية أنس تبين المراد بباقي الروايات المطلقة وإنما يكون دعاءه عليه رحمة وكفارة وزكاة، ونحو ذلك إذا لم يكن أهلا للدعاء عليه والسب واللعن ونحوه وما كان مسلماً وإلا فقد دعا - صلى الله عليه وسلم - على الكفار والمنافقين ولم يكن ذلك رحمة لهم. قلت: وهذا هو الجواب عما استشكل بأنه لعن جماعة كثيرة منها المصور والعشار ومن ادعى إلى غير أبيه والمحلل والسارق وشارب الخمر وآكل الربا وغيرهم. فيلزم أن يكون لهم رحمة وطهوراً، فالمراد في الحديث من لم يكن أهلا لذلك ومن لعنه في حال غضبه على مقتضى ضعف البشرية، فمن فعل منهياً عنه فلا يدخل في ذلك. فإن قيل كيف يدعوا - صلى الله عليه وسلم - بدعوة على من ليس لها بأهل أو يسبه أو يلعنه أو نحو ذلك أجيب بأن المراد بقوله ليس لها بأهل عندك في باطن أمره لا على ما يظهر مما يقتضيه حاله وجنايته حين دعائي عليه، يعني إن المراد ليس بأهل لذلك عند الله وفي باطن الأمر ولكنه في الظاهر مستوجب له فيظهر له صلى الله عليه وسلم استحقاقه لذلك بإمارة شرعية ويكون في باطن الأمر ليس أهلا لذلك فكأنه يقول من كان باطن أمره عندك إنه ممن ترضي عنه فاجعل دعوتي التي اقتضاها ما ظهر لي من مقتضى حاله حينئذ طهوراً وزكاة، وهذا معنى صحيح لا إحالة فيه لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان متعبداً ومأموراً بالحكم بالظواهر وحساب الناس في البواطن على الله فإنه هو المتولي للسرائر. فإن قيل فما معنى قوله "وأغضب كما يغضب البشر" فإن هذا يشير إلى أن تلك الدعوة وقعت بحكم سورة الغضب لا أنها على مقتضى الشرع فيعود السؤال. فالجواب إنه يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن دعوته عليه أو سبه أو جلده كان مما خير فيه بين أمرين عقوبة للجاني أحدهما هذا فعله والثاني تركه والزجر له بأمر آخر سوى ذلك فيكون الغضب لله تعالى حمله وبعثه على أحد الأمرين المخير فيهما وهو سبه أو لعنه أو جلده ونحو ذلك وليس ذلك خارجاً من حكم الشرع. ويحتمل أن يكون اللعن والسب يقع منه من غير قصد إليه فلا يكون في ذلك كاللعنة الواقعة رغبة إلى الله وطلباً للاستجابة. وأشار عياض إلى ترجيح هذا الاحتمال فقال: يحتمل أن يكون ما ذكره من سب ودعاء غير مقصود ولا منوي، لكن جرى على عادة العرب في دعم كلامها وصلة خطابها عند الحرج والتأكيد للعتب لا على نية وقوع ذلك كقولهم "عقري حلقي" و "تربت يمينك" وفي قصة أم سليم المذكورة في حديث أنس عند مسلم الذي أشرنا إليه "لا كبرت سنك" وفي حديث معاوية عند مسلم أيضاً "لا أشبع الله بطنه" ونحو ذلك لا يقصدون بشي من ذلك حقيقة الدعاء فخاف - صلى الله عليه وسلم - أن يصادف شيء من ذلك الإجابة وأشفق من موافقة أمثالها القدر فعاهد ربه ورغب إليه وسأله أن يجعل ذلك القول رحمة وكفارة وقربة وطهوراً وأجراً. وإنما كان يقع هذا منه في النادر والشاذ من الأزمان ولم يكن - صلى الله عليه وسلم - فاحشاً ولا متفشحاً ولا لعاناً ولا منتقماً لنفسه. قال الحافظ: وهذا الاحتمال الذي أشار عياض إلى