٢٢٨٦- (٤) وعن أبي موسى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل الذي يذكر ربه، والذي لا يذكر، مثل الحي والميت)) . متفق عليه.
ــ
الوابل الصيب: اهتر بالشي يرفعه وفيه أولع به ولزمه وجعله دأبه وكذا استهتر فيه وبه أي الذين أولعوا بذكر الله وفيه تفسير آخر إن اهتروا في ذكر الله أي كبروا وهلك أقرانهم وهم في ذكر الله يقال اهتر الرجل فهو مهتر إذا سقط في كلامه من الكبر. والهتر السقط من الكلام كأنه بقي في ذكر الله حتى خرف وأنكر عقله والهتر الباطل أيضاً ورجل مستهتر إذا كان كثير الأباطيل، وحقيقة اللفظ إن الاستهتار الاستكثار من الشيء والولوع به حقا كان أو باطلاً، وغلب استعماله على المبطل حتى إذا قيل فلان مستهتر لا يفهم منه إلا الباطل. وإنما إذا قيد بشي تقيد به نحو هو مستهتر، وقد اهتر في ذكر الله أي أولع به وأغرى به. ويقال استهتر فيه وبه - انتهى. والحديث رواه الطبراني في الكبير عن أبي الدرداء وفيه ضعف.
٢٢٨٦- قوله:(مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر) زاد أبوذر بعد هذه ربه (مثل الحي والميت) بفتح الميم والمثلثة في مثل في الموضعين. وهو لف ونشر مرتب شبه الذاكر بالحي الذي ظاهره متزين بنور الحياة وإشراقها فيه، وبالتصرف التام فيما يريده وباطنه بنور العلم والفهم والإدراك كذلك الذاكر مزين ظاهره بنور العلم والطاعة، وباطنه بنور العلم والمعرفة فقلبه مستقر في حظيرة القدس، وسره في مخدع الوصل. وغير الذاكر عاطل ظاهره وباطل باطنه. وقيل: موقع التشبيه بالحي والميت لما في الحي من النفع لمن يواليه والضرر لمن يعاديه وليس ذلك في الميت، وفي هذا التمثيل منقبة للذاكر جليلة وفضيلة له نبيلة وإنه بما يقع منه من ذكر الله عزوجل في حياة ذاتية وروحية لما يغشاه من الأنوار ويصل إليه من الأجور كما أن التارك للذكر، وإن كان في حياة ذاتية فليس لها اعتبار بل هو شبيه بالأموات الذين لا يفيض عليهم بشي مما يفيض على الإحياء المشغولين بطاعة الله عزوجل ومثل ما في هذا الحديث قوله تعالى {أو من كان ميتاً فأحييناه}[الأنعام: ١٢٣] والمعنى تشبيه الكافر بالميت وتشبيه الهداية إلى الإسلام بالحياة (متفق عليه) واللفظ للبخاري أخرجه في كتاب الدعوات ورواه مسلم في كتاب الصلاة (في باب استحباب صلاة النافلة في بيته) بلفظ: مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت، وكذا أخرجه الإسماعيلي وابن حبان في صحيحه وأبوعوانة فلعل البخاري رواه بالمعنى، فإن الذي يوصف بالحياة والموت حقيقة هو الساكن لا المسكن وإن إطلاق الحي والميت في وصف البيت إنما يراد به ساكن البيت فهو من باب ذكر المحل وإرادة الحال. وقيل: معنى قوله "مثل الحي والميت، وفي رواية مسلم أي مثل قلبهما أو مثل مكانهما ولذا ورد لا تجعلوا بيوتكم قبوراً أي خالية عن الذكر.