وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحببته، فإذا أحببته فكنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها،
ــ
قال الطوفي: الأمر بالفرائض جازم ويقع بتركها المعاقبة بخلاف النفل في الأمرين، وإن اشترك مع الفرائض في تحصيل الثواب فكانت الفرائض أكمل فلهذا كانت أحب إلى الله تعالى وأشد تقريباً وأيضاً الفرض كالأصل والأس والنفل كالفرع والبناء وفي الإتيان بالفرائض على الوجه المأمور به امتثال الأمر واحترام الأمر وتعظيمه بالانقياد إليه وإظهار عظمة الربوبية وذل العبودية فكان التقرب بذلك أعظم العمل (وما يزال) بلفظ المضارع وفي رواية وما زال (عبدي) أي القائم بالفرائض (يتقرب) أي يطلب زيادة القرب (إلي بالنوافل) أي التطوع من جميع أصناف العبادات يعني مع محافظته على الفرائض (حتى أحببته) أي حباً كاملاً لجمعه بين الفرائض والنوافل. قال الحافظ: ظاهره إن محبة الله للعبد تقع بملازمة العبد التقرب بالنوافل، قد استشكل بما تقدم أولاً إن الفرائض أحب العبادات المتقرب بها إلى الله فكيف لا تنتج المحبة، والجواب إن المراد من النوافل ما كانت حاوية للفرائض مشتملة عليها ومكملة لها. ويؤيده إن في رواية أبي أمامة "ابن آدم إنك لن تدرك ما عندي إلا بأداء ما افترضت عليك" وقال الفاكهاني: معنى الحديث إنه إذا أدى الفرائض ودام على إتيان النوافل من صلاة وصيام وغيرهما أفضى به ذلك إلى محبة الله تعالى. وقال ابن هبيرة: يؤخذ قوله من قوله ما تقرب إلى آخره إن النافلة لا تقدم على الفريضة لأن النافلة إنما سميت نافلة لأنها تأتي زائدة على الفرائض فما لم تؤد الفريضة لا تحصل النافلة، ومن أدى الفرض ثم زاد عليه النفل وأدام ذلك تحققت منه إرادة التقريب وقد تبين بذلك إن المراد من التقرب بالنوافل إن تقع ممن أدى الفرائض لا من أخل بها (فإذا أحببته) لتقربه إلى بما ذكر (فكنت) كذا في أكثر النسخ الحاضرة من المشكاة "حتى أحببته فإذا أحببته فكنت" وفي المصابيح "حتى أحبه (أي بضم أوله) فإذا أحببته كنت) وهكذا وقع في البخاري من رواية الشكميهني ولأبي ذر "حتى أحببته فكنت" وكذا وقع في نسخة القاري من المشكاة (سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به) بضم الياء وفي رواية، من حديث عائشة عينه التي يبصر بها وفي أخرى عينيه اللتين يبصر بهما بالتثنية وكذا قال في الأذن واليد والرجل (ويده التي يبطش) بفتح الياء وكسر الطاء أي يأخذ (بها ورجله التي يمشي بها) زاد في حديث عائشة وفوأده الذي يعقل به ولسانه الذي يتكلم به ونحوه في حديث أبي أمامة وقد استشكل كيف يكون الباري جل وعلى سمع العبد وبصره الخ وأجيب بأوجه أحدها أنه ورد على سبيل التمثيل والمعنى كنت سمعه وبصره في إيثاره أمري فهو يحب طاعتي ويؤثر خدمتي كما يحب هذه الجوارح ثانيها أن المعنى إن كليته مشغولة بي فلا يصغى بسمعه إلا إلى ما يرضيني ولا يبصر ببصره إلا ما أمرته به ولا يبطش بيده إلا في ما يحل له ولا يسعى برجله إلا في طاعتي