للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

..............................................................................................

ــ

السندي: حقيقته بالنظر إلى قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تدري وإن قدره - صلى الله عليه وسلم - أجل وأعظم مما يخطر في كثير من الأوهام، فالتفويض في مثله أحسن نعم القدر المقصود بالإفهام مفهوم، وهو أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يحصل له حالة داعية إلى الاستغفار فيستغفر كل يوم مائه مرة فكيف غيره والله أعلم. وقال عياض: المراد بالغين الفترات والغفلات عن الذكر الذي كان شأنه الدوام عليه، فإذا فتر عنه أو غفل لأمر ما عد ذلك ذنبًا فاستغفر منه وقيل: هو شيء يعترى القلوب الصافية مم يتحدث به النفس فيهوشها. وقيل: هو السكينة التي تغشى قلبه، ويكون استغفاره إظهارًا للعبودية والافتقار وملازمة الخشوع وشكرًا لما أولاه. وقيل: هي حالة خشية وإعظام تغشى القلب ويكون استغفاره شكرها كما سبق. ومن ثم قال المحاسبي: خوف المتقربين الأنبياء والملائكة خوف إجلال وإعظام وإن كانوا آمنين عذاب الله. وقال الشيخ شهاب الدين السهروردي: لا ينبغي أن يعتقد أن الغين نقص في حال صلوات الله عليه وسلامه، بل كمال أو تتمة كمال، وهذا سر دقيق لا ينكشف إلا بمثال، وهو أن الجفن المسبل على حدقة البصر، وإن كان صورته صورة نقصان من حيث هو إسبال وتغطية على ما من شأنه. أن يكون باديًا مكشوفًا، فإن المقصود من خلق العين إدراك المدركات الحسية، وذلك لا يتأتى إلا بانبعاث الأشعة الحسية من داخل العين واتصالها بالمرئيات على مذهب قوم، وبانطباع صور المدركات في الكرة الجليدية على مذهب آخر، فكيفما قدر لا يتم المقصود إلا بانكشاف العين عما يمنع من انبعاث الأشعة، ولكن لما كان الهواء المحيط بالأبدان الحيوانية قلما يخلو من الأغبرة السائرة بحركة الرياح، فلو كانت الحدقة دائمة الانكشاف لاستضرت بملاقاتها وتراكمها عليها، فأسبلت أغطية الجفون وقاية لها ومصقلة لتنصقل الحدقة بأسباب الأهداب، ورفعها لخفة حركة الجفن. فيدوم جلاؤها ويحتد نظرها، فالجفن وإن كان نقصانًا ظاهرًا فهو كمال حقيقة، فهكذا لم تزل بصيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - معترضة، لأن تصدأ بالأغبرة الثائرة من أنفاس الأغيار، فلا جرم دعت الحاجة إلى إسبال جفن من الغين على حدقة بصيرته سترًا لها ووقاية وصقالاً عن تلك الأغبرة المثارة بروية الأغيار وأنفاسها فصح أن الغين وإن كانت صورته نقصًا فمعناه كمال وصقال حقيقة. ثم قال أيضًا: إن روح النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يزل في الترقي إلى مقامات القرب مستتبعة للقلب في رقيها إلى مركزها، وهكذا القلب كان يستتبع نفسه الزكية ولا خفاء إن حركة الروح والقلب أسرع وأتم من نهضة النفس وحركتها، فكانت خطأ النفس تقصر عن مدى الروح والقلب في العروج والولوج في حرم القرب ولحوقها بهما فاقتضت العواطف الربانية على الضعفاء من الأمة إبطاء حركة القلب بإلقاء الغين عليه لئلا يسرع القلب ويسرح في معارج الروح ومدارجها، فتنقطع علاقة النفس عنه لقوة الانجذاب فتبقى العباد مهملين محرومين عن الاستنارة بأنوار النبوة والاستضاءة بمشكاة مصباح الشريعة،

<<  <  ج: ص:  >  >>