للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَإِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ. رواه مسلم.

٢٣٤٨- (٣) وعنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ

ــ

وحيث كان يرى - صلى الله عليه وسلم - إبطاء القلب بالغين الملقى عليه وقصور النفس عن شأو ترقي الروح إلى الرفيق الأعلى كان يفزع إلى الاستغفار إذ لم تف قواها في سرعة اللحوق لها - انتهى كلام الشيخ السهروردي. وقد ذكر الحافظ محصله في الفتح في شرح حديث أبي هريرة المتقدم. وقال التوربشتي في شرح المصابيح: ((ونحن بالنور المقتبس من مشكاة مشايخ الصوفية نذهب في الوقت عليهم مذهبين)) أحدهما: أن نقول لما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أتم القلوب صفاءً وأكثرها ضياءً وأعرفها عرفانًا، وكان معنيًا مع ذلك بتشريع الملة وتأسيس السنة ميسرًا غير معسر لم يكن له بد من النزول إلى الرخص والإلتفات إلى حظوظ النفس، مع ما كان ممتحنًا به من أحكام البشرية، وكان إذا تعاطى شيئًًا من ذلك أسرع كدورة ما إلى القلب لكمال رقته وفرط نورانيته، فإن الشيء كلما كان أرق وأصفى كان ورود التأثيرات عليه أبين وأهدى، وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا أحس بشيء من ذلك عده على النفس ذنبًا فاستغفر منه، ولهذا المعنى كان استغفاره عند خروجه من الخلاء فيقول: غفرانك. والآخر: أن تقول: إن الله تعالى كما اقتناه عن العالمين أراد أن يبقيه لهم لينتفعوا به، فإنه - صلى الله عليه وسلم - لو ترك ما هو عليه، وفيه من الحضور والتجليات الإلهية لم يكن لينفرغ لتعريف الجاهد وتعليم الجاهل، فاقتضت الحكمة الإلهية أن يرد إليهم الفينة بعد الفينة بنوع من الحجية والاستتار ليكمل حظهم عنه فيرى ذلك من سيئات حاله فيستغفر منه والله أعلم - انتهى. (وإني لأستغفر الله) جملة أخرى معطوفة (في اليوم مائة مرة) قال المناوي: أراد بالمائة التكثير فلا ينافي رواية: سبعين. (رواه مسلم) ، وأخرجه أيضًا أحمد (ج٤: ص٢١١: ٢٦٠) ، والبخاري في تاريخه (ج١: ق٢ ص٤٤) ، وأبو داود في أواخر الصلاة، كلهم من طريق حماد عن ثابت عن أبي بردة عن الأغر المزني ونسبه في الحصن والكنز للنسائي أيضًا.

٢٣٤٨- قوله: (وعنه) أي الأغر المزني (يا أيها الناس توبوا إلى الله) فيه تلميح إلى قوله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ} (النور: ٣١) فالتوبة واجبة على الناس جميعًا. قال النووي: هذا الأمر بالتوبة موافق لقوله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ} وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً} (التحريم: ٨) قلت: وجوب التوبة ظاهر بحديث الأغر هذا، وبالأحاديث الأخرى وبالآيتين المذكورتين، وهو واضح بنور البصيرة عند من شرح الله بنور الإيمان صدره، فإن من عرف أن لا سعادة في دار البقاء إلا في لقاء الله تعالى، وإن كل محجوب عنه يشقى لا محالة محول بينه وبين ما يشتهي محترق بنار الفراق

<<  <  ج: ص:  >  >>