ونار الجحيم، وعلم أن لا مبعد عن لقاء الله إلا إتباع الشهوات ولا مقرب من لقاءه إلا الإقبال على الله بدوام ذكره، وعلم أن الذنوب سبب كونه محجوبًا مبعدًا عن الله تعالى. فلا يشك في أن الانصراف عن طريق البعد واجب للوصول إلى القرب. وإنما يتم الانصراف بالغلم والندم والعزم، وهكذا يكون الإيمان الحاصل عن البصيرة، ومن لم يترشح لهذا المقام فيلاحظ ما ورد في ذلك من الآيات والأحاديث وارجع للبسط إلى كتاب التوبة من الإحياء للغزالي. قال القاري: قوله: ((يا أيها الناس توبوا إلى الله)) الظاهر إن المراد بهم المؤمنون لقوله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(النور: ٣١) وفي الآية والحديث دليل وشاهد على أن كل أحد في مقامه وحاله يحتاج إلى الرجوع لتوقية كماله، وإن كل أحد مقصر في القيام بحق عبوديته كما قضاه وقدر، قال تعالى:{كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ}(عبس: ٢٣) ويدل عليه أيضًا قوله: (فإني أتوب إليه) أي أرجع رجوعًا يليق به إلى شهوده أو سؤاله أو إظهار الافتقار بين يديه (في اليوم مائة مرة) فأنتم أولى بأن ترجعوا إليه في ساعة ألف كرة (رواه مسلم) وأخرجه أيضًا أحمد (ج٤: ص٢١١، ٢٦٠) كلاهما من طريق شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي بردة أنه سمع الأغر المزني يحدث ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: أيها الناس. إلخ وأخرج النسائي، وابن أبي شيبة، والطبراني، والحكيم الترمذي بنحوه.
٢٣٤٩- قوله:(فيما يروى) هكذا في رواية أبي أسماء عن أبي ذر، ووقع في رواية أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر فيما روى أي بلفظ الماضي (إنه) قال القاري: ضبط بفتح الهمزة وكسرها فتأمل في الفرق بينهما. (قال: يا عبادي) قال الطيبي: الخطاب لثقلين لتعاقب التقوى والفجور فيهم، ويحتمل أن يعم الملائكة فيكون ذكرهم مدرجًا في الجن لشمول الإجتنان لهم، وتوجه هذا الخطاب لا يتوقف على صدور الفجور ولا على إمكانه - انتهى. قال شيخنا: والظاهر هو الاحتمال الأول (إني حرمت) أي منعت (الظلم على نفسي) أي تقدست عنه وتعاليت فهو في حقي كالمحرم في حق الناس، إذا لا يتصور في حقه ظلم سواء قلنا إن الظلم وضع الشيء في غير محله أو أنه التعدي في ملك الغير أو مجاوزة الحد وهو المحمود في كل فعال من غير فصل، لأن فعله إما عدل وإما فضل. قال النووي قال العلماء: قوله حرمت الظلم على نفسي. معناه تقدست عنه وتعاليت والظلم مستحيل في حق الله سبحانه وتعالى، كيف يجاوز سبحانه حدًا وليس فوقه من يطيعه وكيف يتصرف في غير