للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ،

ــ

ملك، والعالم كله ملكه وسلطانه. وأصل التحريم في اللغة المنع فسمى تقديسه عن الظلم تحريمًا لمشابهته للممنوع في أصل عدم الشيء - انتهى. (وجعلته بينكم محرمًا) أي حكمت بتحريمه فيما بينكم فإذا علمتم ذلك (فلا تظالموا) بفتح التاء وشدة الظاء للإدغام وتخفيفه أصله تتظالموا حذفت إحدى التاءين تخفيفًا أي لا يظلم بعضكم بعضًا، والمعنى أنه تعالى حرم الظلم عل عباده ونهاهم أن يتظالموا فيما بينهم فحرام على كل عبد أن يظلم غيره (يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته) يعني إن الهداية لمن حصلت إنما هي من عند الله لا من عند نفسه، وكذلك الطعام والكسوة لمن حصل فإنما هو من عند الله لا من عند نفسه، وهذا يقتضي أن جميع الخلق مفتقرون إلى الله تعالى في جلب مصالحهم ودفع مضارهم في أمور دينهم ودنياهم، وإن العباد لا يملكون لأنفسهم شيئًا من ذلك كله، وإن من لم يتفضل الله عليه بالهدى والرزق فإنه يحرمهما في الدنيا. قال المازري: ظاهر هذا أنهم خلقوا على الضلال إلا من هداه الله تعالى، وفي الحديث المشهور كل مولود يولد على الفطرة. قال: فقد يكون المراد بالأول وصفهم بما كانوا عليه قبل مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهم أو أنهم تركوا وما في طباعهم من إيثار الشهوات والراحة وإهمال النظر لضلوا، وهذا الثاني أظهر. وقال المناوي: كلكم ضال أي غافل عن الشرائع قبل إرسال الرسل إلا من هديته أي وقفته للإيمان أي للخروج عن مقتضى طبعه. وقال القاري: هذا لا ينافي قوله عليه الصلاة والسلام كل مولود يولد على الفطرة، فإن المراد بالفطرة التوحيد، والمراد بالضلالة جهالة تفصيل أحكام الإيمان وحدود الإسلام. ومنه قوله تعالى: {وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى} (الضحى: ٧) - انتهى. وقال ابن رجب: قد ظن بعضهم أن قوله كلكم ضال إلا من هديته معارض لحديث عياض بن حماد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يقول الله عز وجل خلقت عبادي حنفاء)) ، وفي رواية ((مسلمين فاجتالتهم الشاطين)) وليس كذلك فإن الله خلق بني آدم وفطرهم على قبول الإسلام، والميل إليه دون غيره والتهيأ لذلك والاستعداد له بالقوة لكن لا بد للعبد من تعليم الإسلام بالفعل، فإنه قبل التعلم جاهل لا يعلم شيئًا كما قال تعالى: {وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئاً} (النحل: ٧٨) وقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى} والمراد {وَجَدَكَ} غير عالم مما علمك من الكتاب والحكمة، كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا} (الشورى: ٥٢) فالإنسان يولد مفطورًا على قبول الحق فإن هداه الله تعالى سبب له من يعلمه الهدى فصار مهديًا بالفعل بعد أن كان مهديًا بالقوة، وإن خذله الله قيض له من يعلمه ما يغير فطرته كما قال - صلى الله عليه وسلم - كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه. وأما سؤال المؤمن من الله الهداية. فإن الهداية نوعان: هداية مجملة، وهي الهداية للإسلام والإيمان وهي حاصلة

<<  <  ج: ص:  >  >>