للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ.

ــ

((لن تبلغوا ضري فتضروني)) والمعنى أن ملكه لا يزيد بطاعة الخلق ولو كانوا كلهم بررة، أتقياء قلوبهم على أتقى قلب رجل منهم، ولا بنقص ملكه بمعصية العاصين، ولو كان الجن والإنس كلهم عصاة فجرة قلوبهم على قلب أفجر رجل منهم فإنه سبحانه الغني بذاته عن من سواه، وله الكمال المطلق في ذاته وصفاته وأفعاله، فملكه ملك كامل لا نقص فيه بوجه من الوجوه على أي وجه كان (قاموا) أي وقفوا (في صعيد واحد) أي في أرض واحدة ومقام واحد قال ابن حجر: الصعيد يطلق على التراب وعلى وجه الأرض وهو المراد هنا (فسألوني) أي كلهم أجمعون. قال الطيبي: قيد السؤال بالإجماع في مقام واحد، لأن تزاحم السؤال وازدحامهم مما يدهش المسئول ويهم ويعسر عليه إنجاح مآربهم وإسعاف مطالبهم (فأعطيت كل إنسان) وكذا كل جني (مسألته) أي في آن واحد ومكان واحد (ما نقص ذلك) أي الإعطاء (مما عندي) والمراد بهذا ذكر كمال قدرته تعالى وكمال ملكه، وأن ملكه وخزائنه لا تنقص بالعطاء ولو أعطى الأولين والآخرين من الجن والإنس جميع ما سألوه في مقام واحد، وفي ذلك حث الخلق على سؤاله وإنزال حوائجهم به (إلا كما ينقص) أي كالنقص أو كالشيء الذي ينقصه (المخيط) بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الياء المثناة تحت هو ما يخلط به الثواب كالإبرة ونحوها (إذا أدخل البحر) بالنصب على أنه مفعول ثان للإدخال، وذكر ذلك لتحقيق أن ما عنده لا ينقص البتة كما قال تعالى: {مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللهِ بَاقٍ} (النحل: ٩٦) . فإن البحر إذا غمس فيه إبرة، ثم أخرجت لم ينقص من البحر بذلك شيء قال الطيبي: لما لم يكن ما ينقصه المخيط محسوسًا ولا معتدًا به عند العقل، بل كان في حكم العدم كان أقرب المحسوسات وأشبهم بإعطاء حوائج الخلق كافة، فإنه لا ينقص مما عنده شيئًا. وقال النووي قال العلماء: هذا تقريب إلى الأفهام، ومعناه لا ينقص شيئًا أصلاً كما قال في الحديث الآخر: لا يغيضها نفقة. أي لا ينقصها نفقة لأن ما عند الله لا يدخله نقص، وإنما يدخل النقص المحدود الفاني وعطاء الله تعالى من رحمته وكرمه وهما صفتان قديمتان لا يتطرق إليهما نقص، فضرب المثل بالمخيط في البحر لأنه غاية ما يضرب في المثل في القلة، والمقصود التقريب إلى الأفهام بما شاهدوه فإن البحر من أعظم المرئيات عيانًا وأكبرها، والإبرة من أصغر الموجودات مع أنها صقيلة لا يتعلق بها ماء - انتهى. قلت: قد تبين في الحديث الذي أخرجه الترمذي وابن ماجة السبب الذي لأجله لا ينقص ما عند الله بالعطاء بقوله: ((ذلك بأني جواد وأجد ما جد أفعل ما أريد عطائي كلام وعذابي كلام وإنما أمري لشيء إذا أردت أن أقول له كن فيكون)) وهذا مثل قوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (يس: ٨٢) فهو سبحانه إذا أراد شيئاً من عطاء أو عذاب أو غير ذلك قال له

<<  <  ج: ص:  >  >>