أَنْ تَبَاعَدِي، فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَهُمَا. فَوُجِدَ إِلَى هذه أقرب بشبر فغفر له. متفق عليه.
ــ
إلى هذه (أن تباعدي) بفتح التاء أي عن الميت (فقال) وفي البخاري وقال: قال القاري: أي الله كما في نسخة يعني من المشكاة (قيسوا) الخطاب للملائكة المتخاصمين أي قدروا (ما بينهما) أي بين القريتين فقيس (فوجد) بضم الواو مبنيًا للمفعول أي الميت المتنازع فيه (إلى هذه) أي القرية التي توجه إليها وهي نصرة (أقرب) بفتح الموحدة (بشبر) في رواية هشام: فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، (فغفر له) وفي رواية هشام: فقبضته ملائكة الرحمة. وفي رواية معاذ عن شعبة عند مسلم أيضًا: فكان إلى القرية الصالحة أقرب منها بشبر فجعل من أهلها. قال الحافظ في الحديث: مشروعية التوبة من جميع الكبائر حتى من قتل الأنفس، ويحمل على أن الله تعالى إذا قبل توبة القاتل تكفل برضا خصمه، قال الطيبي إذا رضي الله عن عبده أرضى خصومه. ورد مظالمه، ففي الحديث ترغيب في التوبة ومنع الناس عن اليأس ورجاء عظيم لأصحاب العظائم: وقال عياض في الحديث: إن التوبة تنفع من القتل كما تنفع من سائر الذنوب وهو وإن كان شرعًا لمن كان قبلنا، وفي الاحتجاج به خلاف لكن ليس هذا موضع الخلاف، لأن موضع الخلاف إذا لم يرد في شرعنا تقريره وموافقته، وأما إذا ورد فهو شرع لنا بلا خلاف، ومن الوارد في ذلك قوله تعالى:{إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ}(النساء: ٤٨) فكل ما دون الشرك يجوز أن يغفر له، ومنه حديث عبادة بن الصامت ففيه بعد قوله: ولا تقتلوا النفس وغير ذلك من المنهيات ((فمن أصاب من ذلك شيئًا فأمره إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه)) متفق عليه. وأما قوله تعالى:{وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا}(النساء: ٩٣) فمعناه أنه يستحق أن يجازى بذلك، وقد أخبر الله بفضله أنه لا يخلد من مات موحدًا فيها فلا يخلد هذا، ولكن قد يعفي عنه فلا يدخل النار أصلاً، وقد لا يعفي عنه بل يعذب كسائر العصاة الموحدين، ثم يخرج معهم إلى الجنة , ولا يلزم من كونه يستحق أن يجازى بعقوبة مخصوصة أن يتحتم ذلك الجزاء والله أعلم. وفيه: إن المفتي قد يجيب بالخطأ وفيه: فضل التحول من الأرض التي يصيب الإنسان فيها المعصية لما يغلب بحكم العادة على مثل ذلك، إما لتذكره لأفعاله الصادرة قبل ذلك والفتنة بها، وإما لوجود من كان يعينه على ذلك ويحضه عليه. وفيه: فضل العالم على العابد لأن الذي أفتاه أولاً بأن لا توبة له غلبت عليه العبادة فاستعظم وقوع ما وقع من ذلك القاتل من استجراءه على قتل هذا العدد الكثير. وأما الثاني: فغلب عليه العلم فأفتاه بالصواب ودله على طريق النجاة. وفيه: إن للحاكم إذا تعارضت عنده الأحوال وتعذرت البينات أن يستدل بالقرائن على الترجيح. (متفق عليه) أخرجه البخاري في ذكر بني إسرائيل، ومسلم في التوبة واللفظ للبخاري، وأخرجه أيضًا أحمد (ج٣: ص٢٠: ٧٢) ، وابن ماجة في الديات، وابن حبان في صحيحه، وفي الباب عن عبد الله بن عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان ذكرهما