للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رواه الترمذي وابن ماجة.

ــ

ما يأخذ في سياق الموت. ويكون معنى قوله: ما لم يغرغر ما لم يحضره الموت. فإنه إذا حضره الموت يغرغر بتردد النفس في الحلق فإذا تحقق بالموت، وانقطاع المدة أي مدة الحياة فتوبته غير معتد بها قال: وإنا إن أنكرنا صحة التوبة ممن حضره الموت فأيقن بالهلاك وتحقق بفوات إمكان المراجعة، فإنا لا نقول والحمد لله بسد باب الرحمة عنه وتحريم المغفرة عليه، بل نخاف منه ونرجو له العفو من الله فإن الله تعالى يقول: {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} (النساء: ٤٨) انتهى. ملخصًا. والحاصل إن التوبة عند المعاينة لا تنفع، لأنها توبة ضرورة لا اختيار قال الله تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ} (النساء: ١٧، ١٨) الآية، والتوبة من قريب عند جمهور المفسرين هي التوبة قبل المعاينة أي قبل وقت حضور الموت. قال عكرمة: قبل الموت. وقال الضحاك: قبل معاينة ملك الموت، فهذا شأن التائب من قريب. وأما إذا وقع في السياق فقال إني تبت الآن لم تقبل توبته، وذلك لأنها توبة اضطرار لا اختيار فهي كالتوبة بعد طلوع الشمس من مغربها ويوم القيامة وعند معاينة بأس الله. وقيل: معنى التوبة من قريب إنهم يتوبون على قرب عهد من الذنب من غير إصرار. قال في الإحياء: معناه عن قرب العهد بالخطيئة بأن يندم عليها ويمحو أثرها بحسنة تدفعها قبل أن يتراكم الذنب على القلب فلا يقبل المحو ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: أتبع السيئة الحسنة تمحها. قال في هامش مدارج السالكين: اغتر الناس بظواهر أقوال المفسرين عكرمة، والضحاك وغيرهما في تفسير الآية، وحديث ابن عمر وأمثاله فصاروا يسرفون في التوبة ويصرون على المعاصي، فترسخ في قلوبهم وتأنس بها أنفسهم وتصير ملكات وعادات يتعذر عليهم أو يتعسر على غير الموفق النادر الإقلاع عنها حتى يجيئهم الأجل الموعود، وليس معنى الآية إن التوبة المقبولة المرضية التي أوجب الله على نفسه قبولها هي ما كانت عن معاصي يصر المرء عليها إلى ما قبل غرغرة الموت ولو بساعات ودقائق بل المراد القرب من وقت الذنب المانع من الإصرار كما في الآية الأخرى. ولعل مراد عكرمة والضحاك وأمثالهما موافقة معنى الحديث من أن الله يقبل توبة العاصي ما لم يغرغر أي: إنه إن فرض أنه تاب في أي وقت من الأوقات قبل الغرغرة والمعاينة تقبل توبته، ولا يكون ذلك منافيًا للآية، فإن الإنسان قد يتوب قبل الغرغرة من ذنب عمله من عهد قريب، ولكن قلما يتوب من الإصرار الذي رسخ في الزمن البعيد، فإن تاب فقلما يتمكن من إصلاح ما أفسده الإصرار من نفسه ليتصدق عليه قوله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} (طه: ٨٢) وجملة القول إن المراد أن الإصرار والتسويف خطر، وإن كانت التوبة تقبل في كل حال اختيار إذ الغالب أن المرء يموت على ما عاش فليحذر المغرورون. (رواه الترمذي) في الدعوات، (وابن ماجة)

<<  <  ج: ص:  >  >>