فمن علم منكم أني ذو قدرة على المغفرة فاستغفرني غفرت له ولا أبالي. ولو أن أولكم وآخركم، وحيكم، وميتكم، ورطبكم، ويابسكم اجتمعوا على أتقى قلب عبد من عبادي ما زاد ذلك في ملكي جناح بعوضة ولو أن أولكم، وآخركم، وحيكم، وميتكم، ورطبكم، ويابسكم اجتمعوا على أشقى قلب عبد من عبادي، ما نقص ذلك من ملكي جناح بعوضة، ولو أن أولكم، وآخركم، وحيكم، وميتكم، ورطبكم، ويابسكم اجتمعوا في صعيد واحد، فسأل كل إنسان منكم ما بلغت أمنيته، فأعطيت كل سائل منكم، ما نقص ذلك من ملكي إلا كما لو أن أحدكم مر بالبحر فغمس فيه إبرة، ثم رفعها، ذلك بأني جواد
ــ
وصحته عصمة الله تعالى وحفظه منه أو كلكم مذنب بالفعل، وذنب كل بحسب مقامه إلا من عافيته بالمغفرة والرحمة والتوبة (غفرت له) أي: جميع ذنوبه (ولا أبالي) أي: لا أكترث (ولو أن أولكم وآخر كم) يراد به الإحاطة والشمول (وحيكم وميتكم) تأكيد لإرادة الاستيعاب كقوله (ورطبكم ويابسكم) أي شبابكم وشيوخكم، أو عالمكم وجاهلكم، أو مطيعكم وعاصيكم. وقيل: المراد بهما البحر والبر أي أهلهما أو أنه لو صار كل ما في البحر والبر من الشجر والحجر والحيتان وسائر الحيوان آدميًا. وقيل: يحتمل أن يراد بهما الإنس والجن بناء على أن خلق الجن من النار، والإنس من الماء، ويؤيده ما ورد في الحديث المذكور في الفصل الأول عن أبي ذر: وجنكم وإنسكم. قال الطيبي: هما عبارتان عن الإسيتعاب التام كما في قوله تعالى: {وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَاّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}(الأنعام: ٥٩) والإضافة إلى ضمير المخاطبين تقتضي أن يكون الاستيعاب في نوع الإنسان فيكون تأكيدًا للشمول بعد تأكيد وتقريرًا بعد تقرير - انتهى. (اجتمعوا على اتقى قلب عبد من عبادي) وهو نبينا - صلى الله عليه وسلم - (ما زاد ذلك) أي: الاجتماع (جناح بعوضة) بفتح الجيم أي: قدره (اجتمعوا على أشقى قلب عبد من عبادي) وهو إبليس اللعين (اجتمعوا في صعيد واحد) أي: أرض واسعة مستوية (ما بلغت أمنيته) بضم الهمزة وكسر النون وتشديد الياء أي: مشتهاه، وجمعها المني والأماني يعني كل حاجة تخطر بباله (ما نقص ذلك) أي الإعطاء أو قضاء حوائجهم (فغمس) بفتح الميم أي أدخل (إبرة) بكسر الهمزة وسكون الموحدة وهي المخيط (ذلك) أي عدم نقص ذلك من ملكي (بأني جواد) أي كثير الجود. ووقع عند أحمد (ج٥: ص١٧٧) ، والترمذي بعد ذلك ((واجد)) وهو الذي يجد ما يطلبه ويريده وهو الواجد المطلق لا يفوته شيء، وهذا بيان لسبب ما تقدم، وذلك لأنه إذا كان عطاءه الكلام فلا يتصور في خزائنه النقصان. وقال في اللمعات: قوله ذلك بأني جواد ماجد