قال: حدثنا عبد الله بن مسعود حديثين: أحدهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والآخر عن نفسه قال: إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا - أي بيده -
ــ
المؤلف: من كبار التابعين وثقاتهم. وقال الحافظ: ثقة ثبت من كبار التابعين. وقال ابن عيينة: كان الحارث من علية أصحاب ابن مسعود توفى آخر خلافة ابن الزبير وأرخه ابن أبي خيثمة سنة إحدى أو اثنتين وسبعين. (قال: حدثنا عبد الله بن مسعود حديثين) نصبه على المفعول الثاني، وفي رواية لمسلم قال: دخلت على عبد الله أعوده وهو مريض فحدثنا بحديثين (أحدهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي: يروى عنه (والآخر عن نفسه) أي: نفس ابن مسعود يعني مروي من قوله (قال) وهو الحديث الموقوف. قال الحافظ: لم يقع التصريح برفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في شيء من نسخ كتب الحديث إلا ما قرأت في شرح مغلطائي، إنه روي مرفوعًا من طريق وهاها أبو أحمد الجرحاني يعني ابن عدي - انتهى. (أن المؤمن يرى ذنوبه) قال الطيبي: ذنوبه المفعول الأول والمفعول الثاني محذوف أي كالجبال بدليل قوله في الآخر: كذباب مراى عظيمة ثقيله أو هو قوله: (كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه) قال ابن أبي جمرة: السبب في ذلك إن قلب المؤمن منور، فإذا رأى من نفسه ما يخاف ما ينور به قلبه عظم الأمر عليه، والحكمة في التمثيل بالجبل إن غيره من المهلكات قد يحصل النسبب إلى النجاة منه بخلاف الجبل إذا سقط على الشخص لا ينجو منه عادة، وحاصله أن المؤمن يغلب عليه الخوف لقوة ما عنده من الإيمان فلا يأمن العقوبة بسببها، وهذا شأن المؤمن أنه دائم الخوف والمراقبة يستصغر عمله الصالح ويخشى من صغير عمله السيئ كذا في الفتح. وقال القاري: وهو تشبيه تمثيل شبه حاله بالقياس إلى ذنبه وأنه يرى أنها مهلكة بحاله إذا كان تحت جبل يخافه، فدل الحديث على أن المؤمن في غاية الخوف والاحتراز من الذنوب، ولا ينافيه الاعتدال المطلوب بين الخوف والرجاء في المحبوب، لأن رجاء المؤمن وحسن ظنه بربه في غاية ونهاية - انتهى. (وإن الفاجر) أي: العاصي الفاسق (يرى ذنوبه كذباب) بضم المعجمة وموحدتين الأولى خفيفة بينهما ألف الطير المعروف، وفي رواية الإسماعيلي يرى ذنوبه كأنها ذباب (مر على أنفه) أراد أن ذنبه سهل عنده فلا يبالي به لاعتقاده عدم حصول ضرر كبير بسببه كما أن ضرر الذباب عنده سهل (فقال به) أي: أشار إلى الذباب أو فعل به (هكذا) يعني نحاه بيده أو دفعه وذبه وهو من إطلاق القول على الفعل قالوا: وهو أبلغ (أي: بيده) تفسير للإشارة أي دفع الذباب بيده. وقوله:((أي: بيده)) كذا في جميع النسخ الحاضرة وهكذا في جامع الأصول (ج٣: ص٦٥) والذي في البخاري قال أبو شهاب (راوي الحديث عن الأعمش عن عمارة بن