٢٣٩٢- (٦) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال رجل لم يعمل خيرًا قط
ــ
كل سير وقى به القدم من الأرض. قال الطيبي: ضرب العرب مثلاً بالشراك لأن سبب حصول الثواب والعقاب إنما هو بسعي العبد ويجري السعي بالأقدام، وكل من عمل خيرًا استحق الجنة بوعده، ومن عمل شرًا استحق النار بوعيده وما وعد وأوعد منجزان فكأنهما حاصلان (والنار مثل ذلك) أي: أقرب إلى أحدكم من شراك نعله. وقال القاري: إشارة إلى المذكور أي: النار مثل الجنة في كونها أقرب من شراك النعل أي: فلا يزهدن في قليل من الخير أن يأتيه فلعه يكون سببًا لرحمة الله به ولا في قليل من الشر أن يجتنبه، فربما يكون فيه سخط الله تعالى، ثم قيل: هذا لأن سبب دخول الجنة والنار مع الشخص وهو العمل الصالح والسيء وهو أقرب إليه من شراك نعله إذ هو مجاور له والعمل صفة قائمة به. قال ابن بطال: في الحديث إن الطاعة موصلة إلى الجنة وإن المعصية مقربة إلى النار، وإن الطاعة والمعصية قد تكون في أيسر الأشياء، فينبغي للمرء أن لا يزهد في قليل من الخير أن يأيته ولا في قليل من الشر أن يجتنبه، فإنه لا يعلم الحسنة التي يرحمه الله بها ولا السيئة التي يسخط عليه بها. وقال ابن الجوزي: معنى الحديث إن تحصيل الجنة سهل بتصحيح القصد وفعل الطاعة والنار كذلك بموافقة الهوى وفعل المعصية (رواه البخاري) في الرقاق وهو من أفراده، وأخرجه أيضًا أحمد (ج١: ص٣٨٧: ٤١٣: ٤٤٢) .
٢٣٩٣- قوله:(قال رجل) أي ممن كان قبلنا ففي حديث أبي سعيد عند البخاري: إن رجلاً كان قبلكم رغسه الله مالاً، وفي رواية له: ذكر رجلاً فيمن سلف أو فيمن كان قبلكم، وصرح في حديث حذيفة وأبي مسعود عند الطبراني إنه كان من بني إسرائيل، ولذلك أورد البخاري حديث أبي سعيد وحذيفة وأبي هريرة في ذكر بني إسرائيل. قيل اسم هذا الرجل جهينة فقد حكى الحافظ في الفتح (ج٢٦: ص١٣١: ١٣٢) إن أبا عوانة أخرج في صحيحه من حديث حذيفة عن أبي بكر الصديق إن الرجل المذكور في حديث الباب هو آخر أهل النار خروجا منها وآخر أهل الجنة دخولاً الجنة. قال الحافظ (ج٢٧: ص٢٠٩) وقد وقع في غرائب مالك للدارقطني من طريق عبد الملك بن الحكم وهو واه عن مالك عن نافع عن ابن عمر رفعه إن آخر من يدخل الجنة رجل من جهينة يقال له جهينة فيقول أهل الجنة عند جهينة الخير اليقين، وحكى السهيلي أنه جاء إن اسمه هناد (لم يعمل) صفة رجل (خيرًا قط) أي عملاً صالحًا بعد الإسلام، ووقع في رواية لمسلم لم يعمل حسنة قط. قال الباجي: ظاهر إن العمل ما تعلق بالجوارح وهو العمل، وإن جاز أن يطلق على الاعتقاد على سبيل المجاز والاتساع - صلى الله عليه وسلم - عن هذا الرجل إنه لم يعمل شيئًا من الحسنات التي تعمل بالجوارح، وليس فيه إخبار عن اعتقاد الكفر. وإنما يحمل هذا الحديث على أنه اعتقد الإيمان ولكنه لم يأت من شرائعه بشيء فلما حضره