نصفه في البر ونصفه في البحر، فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابًا لا يعذبه أحد من العالمين،
ــ
الرقاق فذروني. قال الحافظ: بالتخفيف بمعنى الترك وبالتشديد بمعنى التفريق وهو ثلاثي مضاعف تقول ذررت الملح اذره، ومنه الذريرة نوع من الطيب. قال ابن التين: ويحتمل أن يكون بفتح أوله وكذا قرأناه ورويناه بضمها. وعلى الأول هو من التذرية وعلى الثاني من الذر (نصفه) أي نصف رماده (في البر ونصفه في البحر) وفي حديث حذيفة عند البخاري في أول ذكر بني إسرائيل إذا أنا مت فاجمعوا لي حطبًا كثيرًا وأوقدوا فيه نارًا حتى إذا أكلت لحمي وخلصت إلى عظمي فامتحشت فخذوها فاطحنوها ثم انظروا يومًا راحًا (أي: كثير الريح وشديدة) فاذروه في اليم الحديث. وفي حديث أبي سعيد عنده أيضًا في الرقاق فإذا مت فاحرقوني: حتى إذا صرت فحمًا فاسحقوني أو قال: فاسهكوني، ثم إذا كان ريح عاصف فاذروني فيها فأخذ مواثيقهم على ذلك. قال الباجي: وذلك على وجهين أحدهما على وجه الفرار مع اعتقاده أنه غير فائت كما يفر الرجل أمام الأسد مع اعتقاده أنه لا يفوته سبقًا ولكنه يفعل نهاية ما يمكنه فعله، والوجه الثاني أن يفعل هذا خوفًا من الباري تعالى وتذللاً ورجاء أن يكون هذا سببًا إلى رحمته ولعله كان مشروعًا في ملته - انتهى. (فو الله لئن قدر الله عليه) بتخفيف الدال وتشديدها من القدر بمعنى التضييق أو بمعنى القضاء لا من القدرة والاستطاعة (ليعذبنه) بنون التأكيد (عذابًا) أي: تعذيبًا (لا يعذبه) أي: ذلك العذاب (أحدًا من العالمين) من الموحدين وقد استشكل هذا الحديث لأن صنيع الرجل وقوله ظاهر في الشك في قدرة الله على البعث والإحياء والشك في القدر كفر، وقد قال في آخر الحديث خشيتك وغفر له والكافر لا يخشاه ولا يعفر له واختلف في تأويله. فقيل إن قدر بالتخفيف بمعنى ضيق ومنه قوله تعالى:{وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ}(الطلاق: ٧) بالتخفيف والتشديد وهو أحد الأقوال في قوله تعالى: {فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ}(الأنبياء: ٨٧) والمعنى لئن ضيق الله عليه وناقشه في حساب وقيل: المعنى لئن قدر عليه العذاب أي قضى من قدر بالتخفيف والتشديد بمعنى واحد أي لئن قدر عليه أن يعذبه ليعذبنه. ولكن هذا كالذي قبله معنى غير مناسب للسوق أصلاً مع أنه وقع في حديث معاوية بن حميدة عند أحمد (ج٤: ص٤٤٧)(ج٥: ص٣، ٤) ثم اذروني في الريح لعلي أضل الله عز وجل. أي: أغيب عنه وأفوته. يقال: ضل الشيء إذا فات وذهب وهو كقوله تعالى: {لَّا يَضِلُّ رَبِّي} وهذا يدل على أن قوله: لئن قدر الله عليه على ظاهره وإنه أراد التمنع بالتحريق من قدرة الله ومع ذلك أخبر الصادق بغفرانه فلا بد من وجه يمكن القول بإيمانه. فقيل: مقصود الرجل بهذه الوصية إن فرقوا أجزائي في البر والبحر بحيث لا يكون هناك سبيل إلى جمعها فيحتمل أنه رأى أنه جمعه حينئذٍ يكون مستحيلاً والقدرة لا تتعلق بالمستحيل فلذلك قال: فلئن قدر