الله عليه فلا يلزم أنه نفى القدرة أو شك فيها، فصار بذلك كافرًا فكيف يغفر له وذلك أنه ما نفى القدرة على ممكن. وإنما فرض غير المستحيل مستحيلاً فيما لم يثبت عنده أنه ممكن من الدين بالضرورة والكفر هو الأول لا الثاني. وقيل: إن الرجل ظن أنه إذا فعل هذا الصنيع ترك فلم ينشر ولم يعذب. وأما تلفظه بقوله: لئن قدر الله وبقوله فلعلي أضل الله فلأنه كان جاهلاً بذلك. وقد اختلف في مثله هل يكفر أم لا بخلاف الجاحد للصفة. قال الخطابي: أنه لم ينكر البعث وإنما جهل فظن أنه إذا فعل به ذلك لا يعاد فلا يعذب، وقد ظهر إيمانه باعترافه بأنه إنما فعل ذلك من خشية الله. وقيل: كان هذا الرجل موحدًا مثبتًا للصانع، وكان في زمن الفترة حين ينفع مجرد التوحيد ولم تبلغه شرائط الإيمان ولا تكليف قبل ورود الشرع على المذهب الصحيح لقوله تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً}(الإسراء: ١٥) وقيل: إنما وصى بذلك تحقيرًا لنفسه وعقوبة لها بعصيانها وإسرافها رجاء أن يرحمه الله فيغفر له وهذا يؤيد أن قوله: لئن قدر بمعنى ضيق , وقيل: لقى من هول المطلع ما أدهشه وسلب عقله فلم يتمكن من تمهيد القول وتخميره فبادر بسقط من القول، وأخرج كلامه مخرجًا لم يعتقد حقيقته. قال التوربشتي: وهذا أسلم الوجوه. وقال الطيبي: وهو كلام صدر عن غلبة حيرة ودهشة من غير تدبر في كلامه كالغافل والناسي فلا يؤاخذ فيما قال. قال القاري: هذا هو الظاهر من الحديث كما سيأتي حيث قال تعالى: لم فعلت قال: من خشيتك يا رب وأنت أعلم. وقيل: ذلك لا يؤاخذ عليه وقال السندي: يحتمل أن شدة الخوف طيرت عقله فما التفت إلى ما يقول وما يفعل وأنه هل ينفعه أم لا، كما هو المشاهد في الواقع في مهلكة فإنه قد يتمسك بأدنى شيء لاحتمال أنه لعله ينفعه إذ هو فيما قال: وفعل في حكم المجنون - انتهى. وجعل الحافظ هذا القول أظهر الأقوال حيث قال، وأظهر الأقوال أنه قال ذلك في حال دهشته وغلبة الخوف عليه حتى ذهب بعقله لما يقول ولم يقله قاصدًا لحقيقة معناه بل في حالة كان فيها كالغافل والذاهل والناسي الذي لا يؤاخذ بما يصدر منه، قال: وأبعد الأقوال قول من قال: إنه كان في شرعهم جواز المغفرة للكافر - انتهى. وقال ابن أبي جمرة: كان الرجل مؤمنًا لأنه قد أيقن بالحساب، وإن السيئات يعاقب عليها، وأما ما أوصى به فلعله كان جائزًا في شرعهم لتصحيح التوبة، فقد ثبت في شرع بني إسرائيل قتلهم أنفسهم. وقيل: ظن هذا الرجل أن الله تعالى إن وجده على حاله وهيئه يعذبه شديدًا وإذا وجده محترقًا مطحونًا مفرقًا فلعله يرحمه ويشفق عليه، لتحمله تلك المشاق والشدائد كما هو دأب الموالي الكرماء، فإنهم إذا وجد أحدهم عبده المسيء في مرض أو شدة رحمه وعطف عليه ورضي عنه، وإن كان قبل ذلك ساخطًا عليه وغضبان والله أعلم (فلما مات) أي: الرجل الموصي (فعلوا)