ما أمرهم، فأمر الله البحر، فجمع ما فيه، وأمر البر فجمع ما فيه، ثم قال له: لم فعلت هذا؟ قال: من خشيتك يا رب! وأنت أعلم، فغفر له.
ــ
أي: أهله أو بنوه (ما أمرهم) به من التحريق وغيره وقوله: فلما مات إلخ لمسلم فقط (فأمر الله البحر فجمع ما فيه وأمر البر فجمع ما فيه) أي: من أجزاء الرجل، وفي رواية أخرى للبخاري فأمر الله تعالى الأرض فقال: اجمعي ما فيك منه ففعلت فإذا هو قائم، وفي حديث أبي سعيد عنده أيضًا فقال الله كن فإذا رجل قائم. قال الحافظ: وفي حديث سلمان الفارسي عند أبي عوانة في صحيحه فقال الله له: كن فكان كأسرع من طرفة العين، وهذا جميعه كما قال ابن عقيل: أخبار عما سيقع له يوم القيامة، وليس كما قال بعضهم أنه خاطب روحه فإن ذلك لا يناسب قوله: فجمعه الله، لأن التحريق والتفريق إنما وقع على الجسد وهو الذي يجمع ويعاد عند البعث. (ثم قال) الله عز وجل (له) أي: للرجل (لم فعلت هذا) أي: ما ذكر من الوصية، وفي رواية ما حملك على ما صنعت (قال: من خشيتك يا رب) وفي حديث حذيفة عند البخاري ما حملني إلا مخافتك (وأنت أعلم) أي: إنما فعلته من خشيتك. قال ابن عبد البر: وذلك دليل على إيمانه، إذ الخشية لا تكون إلا لمؤمن بل لعالم. قال تعالى:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}(فاطر: ٢٨) ويستحيل أن يخافه من لا يؤمن به. وقد روى الحديث بلفظ: قال رجل لم يعمل خيرًا قط إلا التوحيد، وهذه اللفظة ترفع الإشكال في إيمانه والأصول تعضدها {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ}(النساء: ٤٨) قلت: الخشية من لوازم الإيمان ولما كان فعله هذا من أجل خشية الله تعالى وخوفه فلا بد من القول بإيمانه، وعلى هذا فالحديث ظاهر بل هو كالصريح في استثناء التوحيد كما تقدم فلا إشكال فيه. (فغفر له) وفي حديث أبي سعيد عند البخاري في الرقاق فما تلافاه إن رحمه أي تداركه ((وما)) موصولة أي: الذي تلافاه هو الرحمة، أو نافية وصيغة الاستثناء محذوفة، وفي ذكر بني إسرائيل بلفظ: فتلقاه رحمة. قال الحافظ: قالت المعتزلة: غفر له لأنه تاب عند موته وندم على فعله. وقالت المرجئة: غفر له بأصل توحيده الذي لا تضر معه معصية، وتعقب الأول بأنه لم يرد أنه رد المظلمة فالمغفرة حينئذ بفضل الله لا بالتوبة، لأنها لا تتم إلا بأخذ المظلوم حقه من الظلم، وقد ثبت أنه كان نباشًا. وتعقب الثاني بأنه وقع في حديث أبي بكر الصديق المشار إليه أولاً أنه عذب فعلى هذا فتحمل الرحمة والمغفرة على إرادة ترك الخلود في النار، وبهذا يرد على الطائفتين معًا على: المرجئة في أصل دخول النار، وعلى المعتزلة في دعوى الخلود فيها، وفيه أيضًا رد على من زعم من المعتزلة إنه بذلك الكلام تاب فوجب على الله قبول توبته - انتهى. وقيل: إن مغفرته إنما هي لكمال خوفه وخشيته من الله عز وجل، لأن الخشية من المقامات السنية ولما كانت على أقصى مراتبها وإن حصلت عند حضور علامات الموت صارت سببًا لمحو جميع سيئاته ووسيلة إلى مغفرة جميع ذنوبه {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ